رَأْسِ مَالٍ يَتَصَرَّفُ بِهِ لِمَعَاشِهِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ بِالْإِطْعَامِ، أَنْ يَصُومَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَمِنَ الْمَالِ مَا يَتَصَرَّفُ بِهِ لِمَعَاشِهِ، وَمِنَ الْفَضْلِ عَنْ ذَلِكَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ عَنْ يَمِينِهِ.

ثُمَّ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّهُ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ (?) وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مَا يُخْرِجُ بِهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. (?)

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ وَيُجْزِئُ التَّفْرِيقُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ، هَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ "الْأَيْمَانِ"، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمَجْمُوعَةِ وَالْمُفَرَّقَةِ، كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [الْبَقَرَةِ: 184] .

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي "الْأُمِّ" عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ".

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ".

وَحَكَاهَا مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ".

وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ أَصْحَابُ ابن مسعود يقرؤونها كَذَلِكَ.

وَهَذِهِ (?) إِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَاحِدًا، أَوْ تَفْسِيرًا مِنَ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (?) الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْكَفَّارَاتِ قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بِالْخِيَارِ؟ قَالَ: "أَنْتَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ أَعْتَقْتَ، وَإِنْ شِئْتَ كَسَوْتَ، وَإِنْ شِئْتَ أَطْعَمْتَ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ".

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. (?)

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ لَا تَتْرُكُوهَا بِغَيْرِ تَكْفِيرٍ. {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} أَيْ: يُوَضِّحُهَا وَيَنْشُرُهَا (?) {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015