وَقَوْلُهُ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} أَيِ: الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ نَصَارَى مِنْ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ وَعَلَى مِنْهَاجِ إِنْجِيلِهِ، فِيهِمْ مَوَدَّةٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، إِذْ كَانُوا عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ مِنَ الرِّقَّةِ وَالرَّأْفَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الْحَدِيدِ: 27] وَفِي كِتَابِهِمْ: مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ الْأَيْمَنِ فَأَدِرْ لَهُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ. وَلَيْسَ (?) الْقِتَالُ مَشْرُوعًا فِي مِلَّتِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} أَيْ: يُوجَدُ فِيهِمُ الْقِسِّيسُونَ -وَهُمْ خُطَبَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ، وَاحِدُهُمْ: قِسِّيسٌ وقَس أَيْضًا، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى قُسُوسٍ-وَالرُّهْبَانُ: جَمْعُ رَاهِبٍ، وَهُوَ: الْعَابِدُ. مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَهِيَ (?) الْخَوْفُ كَرَاكِبٍ وَرُكْبَانٍ، وَفَارِسٍ وَفُرْسَانٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ يَكُونُ الرُّهْبَانُ وَاحِدًا وجَمْعُه رَهَابِينُ، مِثْلُ قُرْبَانٍ وَقَرَابِينَ، وجُرْدان وجَرَادين (?) وَقَدْ يُجْمَعُ (?) عَلَى رَهَابِنَةٍ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَاحِدًا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَوْ عَاينَتْ (?) رُهْبان دَيْر فِي القُلَل ... لانْحدَر الرُّهْبَان يَمْشي وَنَزَلْ (?)

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْر بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا نُصَير بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنِي الصَّلْتُ الدَّهَّانُ، عَنْ حَامِيَةَ بْنِ رِئَابٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَلْمَانَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] : (?) {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} فَقَالَ: دَعِ "الْقِسِّيسِينَ" فِي الْبَيْعِ وَالْخَرِبِ، أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينِ وَرُهْبَانًا". (?)

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحمَّاني، عَنْ نُصير بْنِ زِيَادٍ الطَّائِيِّ، عَنْ صَلْت الدِّهَانِ، عَنْ حَامِيَةَ بْنِ رِئَاب، عَنْ سَلْمَانَ، بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَهُ أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحمَّاني، حَدَّثَنَا نُصَير بْنُ زِيَادٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا صَلْتٌ الدَّهَّانُ، عَنْ حَامِيَةَ بْنِ رِئَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: هُمُ الرُّهْبَانُ الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّوَامِعِ والخرَب، فَدَعَوْهُمْ فِيهَا، قَالَ سَلْمَانُ: وَقَرَأْتُ (?) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ [وَرُهْبَانًا] } (?) فَأَقْرَأَنِي: "ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صديقين ورهبانا". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015