وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَمُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَعَطِيَّةَ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، والسُّدِّي، وَابْنِ زَيْدٍ، نَحْوُ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَمَا وَافَقَهُ مِنْهَا فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا خَالَفَهُ مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَعَنِ الْوَالِبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمُهَيْمِنًا} أَيْ: شَهِيدًا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي.

وَقَالَ العَوْفِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمُهَيْمِنًا} أَيْ: حَاكِمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ.

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ اسْمَ "الْمُهَيْمِنِ" يَتَضَمَّنُ هَذَا كُلَّهُ، فَهُوَ أَمِينٌ وَشَاهِدٌ وَحَاكِمٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ، جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي أَنْزَلَهُ آخِرَ الْكُتُبِ وَخَاتَمَهَا، أَشْمَلَهَا وَأَعْظَمَهَا وَأَحْكَمَهَا (?) حَيْثُ جَمَعَ فِيهِ مَحَاسِنَ مَا قَبْلَهُ، وَزَادَهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ؛ فَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا وَأَمِينًا وَحَاكِمًا عَلَيْهَا كُلِّهَا. وَتَكَفَّلَ تَعَالَى بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ [تَعَالَى] (?) {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرَ:9] .

فَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَابْنِ أَبِي نَجيح عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِينٌ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ فِي تَفْسِيرِ هَذَا بِهَذَا نَظَرٌ، وَفِي تَنْزِيلِهِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا نَظَرٌ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ لَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي (?) كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ هُوَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ أَنَّ "الْمُهَيْمِنَ" عَطْفٌ عَلَى "الْمُصَدِّقِ"، فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ صِفَةِ مَا كَانَ "الْمُصَدِّقُ" صِفَةً لَهُ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ لَقَالَ: "وَأَنْزَلَنْا إِلَيْكَ الْكِتَابَ مُصدقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ". يَعْنِي مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ.

وَقَوْلُهُ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ} أَيْ: فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ النَّاسِ: عَرَبهم وَعَجَمِهِمْ، أُميهم وَكِتَابَيِّهِمْ {بِمَا أَنزلَ اللَّهُ} إِلَيْكَ فِي (?) هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، وَبِمَا قَرَّرَهُ لَكَ مِنْ حُكْمِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ فِي شَرْعِكَ. هَكَذَا وَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِمَعْنَاهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا، إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ. فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ، فَنَزَلَتْ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا.

وَقَوْلُهُ: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} أَيْ: آرَاءَهُمُ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَتَرَكُوا بِسَبَبِهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} أَيْ: لَا تَنْصَرِفْ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِلَى أَهْوَاءِ هؤلاء من الجهلة الأشقياء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015