الْكَرِيمَةُ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَهَكَذَا خَالَفُوا الْأَئِمَّةَ وَالسَّلَفَ فِي الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْقَدَمَيْنِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمَا فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَعِنْدَهُمْ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. قَالَ (?) الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي الْوُضُوءِ هُمَا النَّاتِئَانِ، وَهُمَا مُجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. هَذَا لَفْظُهُ. فَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، [أَنَّ] (?) فِي كُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ (?) حُمْران عَنْ عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيِّ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ -ثَلَاثًا-وَاللَّهِ لتقيمُن صُفُوفَكُمْ أَوْ ليخالفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ". قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِق كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتِهِ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ، ومَنْكبِه بِمَنْكِبِهِ. لَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ. (?)

فَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَقَ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ إِلَّا وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي السَّاقِ، حَتَّى يُحَاذِيَ كَعْبَ الْآخَرِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِل السَّاقِ وَالْقَدَمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرْنَا شَرِيكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ -يَعْنِي الْجَابِرَ-قَالَ: نَظَرْتُ فِي قَتْلَى أَصْحَابِ زَيْدٍ، فَوَجَدْتُ الْكَعْبَ فَوْقَ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ عُوقِبَ بِهَا الشِّيعَةُ بَعْدَ قَتْلِهِمْ، تَنْكِيلًا بِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمُ الْحَقَّ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} كُلُّ ذَلِكَ قَدْ تقدَّم الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى إِعَادَتِهِ؛ لِئَلَّا يَطُولَ الْكَلَامُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ نُزُولِ آيَةِ التَّيَمُّمِ هُنَاكَ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى هَاهُنَا حَدِيثًا خَاصًّا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ، وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ، فَأَنَاخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ، فثَنَى رَأْسَهُ فِي حِجْري رَاقِدًا، أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فلَكَزَني لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْت النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ، فَبى الموتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَوْجَعَنِي، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَالْتَمَسَ الْمَاءَ فَلَمْ يوجَد، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ أسَيْد بْنُ الحُضَير لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، ما أنتم إلا بركة لهم. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015