بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَالْحِرْصِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَدَبٌ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ حُصُولٍ ذَلِكَ، فَلَا يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا، فَإِنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَقَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ أَسْبَابُهُ مِنَ التَّنَاسِي وَالتَّغَافُلِ وَالتَّهَاوُنِ الْمُفْضِي إِلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا النِّسْيَانُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِفِعْلِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: "بَلْ هُوَ نُسِيَ"، مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَدَبٌ -أَيْضًا-فِي تَرْكِ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَسْنَدَ النِّسْيَانَ إِلَى الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الْكَهْفِ: 24] وَهُوَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مِنْ بَابِ الْمَجَازِ السَّائِغِ بِذِكْرِ الْمُسَبِّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ سَبَبٍ قَدْ يَكُونُ ذَنْبًا، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ لِيُذْهِبَ الشَّيْطَانَ عَنِ الْقَلْبِ كَمَا يَذْهَبُ عِنْدَ النِّدَاءِ بِالْأَذَانِ، وَالْحَسَنَةُ تُذْهِبُ السَّيِّئَةَ، فَإِذَا زَالَ السَّبَبُ لِلنِّسْيَانِ انْزَاحَ، فَحَصَلَ الذِّكْرُ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ أعلم.