وَالثِّقَاتُ يَرْوُونَهُ مِنْ كَلَامِ سَلْمَانَ غَيْرَ مَرْفُوعٍ. (?)
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهال الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا -يُقَالُ لَهُ: أَبُو ثَعْلَبَةَ-قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبة، فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ كَانَ لَكَ كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ". فَقَالَ: ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنِي فِي قَوْسِي. فَقَالَ: "كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ" قَالَ: ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: "وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَصِلْ، أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ سَهْمِكَ". قَالَ: أَفْتِنِي فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ إِذَا اضُّطُرِرْنَا إِلَيْهَا. قَالَ: "اغْسِلْهَا وَكُلْ فِيهَا". (?) .
هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (?) وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ طَرِيقِ بُسْر بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (?) عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ" (?)
وَهَذَانَ إِسْنَادَانِ جَيِّدَانِ، وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِماك بْنِ حَرْب، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَانَ مِنْ كَلْبٍ ضَارٍّ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَكُلْ". قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: "نَعَمْ".
وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدي مَثَلَهُ. (?)
فَهَذِهِ آثَارٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يُغْتَفَرُ إِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُحَرِّمِ الصَّيْدَ بِأَكْلِ الْكَلْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَمَّنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ، وَقَدْ تَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: إِنْ أَكَلَ عَقِبَ مَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. وَلِلْعِلَّةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ" وَأَمَّا إِنْ أُمْسَكَهُ ثُمَّ انْتَظَرَ صَاحِبَهُ فَطَالَ عَلَيْهِ وَجَاعَ (?) فَأَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ لِجُوعِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ. وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيّ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ حَسَنٌ، وَجَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ. وَقَدْ تَمَنَّى الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي الجُوَيني فِي كِتَابِهِ "النِّهَايَةِ" أَنْ لَوْ فَصَّلَ مُفَصِّلٌ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ أُمْنِيَّتَهُ، وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالتَّفْرِيقِ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلًا رَابِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَكْلِ الْكَلْبِ فَيَحْرُمُ لِحَدِيثِ عَدِيّ، وَبَيْنَ أَكْلِ الصُّقُورِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ إِلَّا بِالْأَكْلِ.