وَأَمَّا {الْمَوْقُوذَةُ} فَهِيَ الَّتِي تُضْرَبُ بِشَيْءٍ ثَقِيلٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ بالخَشَب حَتَّى تُوقَذَ بِهَا (?) فَتَمُوتُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَى حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْمِي بالمِعراض الصَّيْدَ فَأُصِيبُ. قَالَ: "إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فخَزَق فَكُلْه، وَإِنْ أَصَابَهُ بعَرْضِه فَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذ فَلَا تَأْكُلْهُ". (?)
فَفَرَّقَ بَيْنَ مَا أَصَابَهُ بِالسَّهْمِ، أَوْ بِالْمِزْرَاقِ وَنَحْوِهِ بِحَدِّهِ فَأَحَلَّهُ، وَمَا أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَجَعَلَهُ وَقِيذًا فَلَمْ يُحِلَّهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ هَاهُنَا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا صَدَمَ الجارحةُ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ، عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَحَدُهُمَا: [أَنَّهُ] (?) لَا يَحِلُّ، كَمَا فِي السَّهْمِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيِّتٌ بِغَيْرِ جُرْحٍ فَهُوَ وَقِيذٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِإِبَاحَةِ مَا صَادَهُ الْكَلْبُ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الْعُمُومِ. وَقَدْ قَرَّرْتُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلًا فَلْيُكْتَبْ هَاهُنَا. .
فَصْلٌ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ، أَوْ صَدَمَهُ، هَلْ يَحِلُّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ حَلَالٌ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [الْمَائِدَةِ: 4] وَكَذَا عُمُومَاتُ حَدِيثِ عَدي (?) بْنِ حَاتِمٍ. وَهَذَا قَوْلٌ حَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ [مِنْهُمْ] (?) كَالنَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ: "يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ". ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْهُمَا، فَحَمَلَ ذَلِكَ الْأَصْحَابُ مِنْهُ فَأَطْلَقُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ عَنْهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّهُ فِي بَحْثِهِ حِكَايَتَهُ لِلْقَوْلِ بِالْحِلِّ رَشَّحَهُ قَلِيلًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا جَزَمَ بِهِ. وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ، أَعْنِي الْحِلَّ، نَقْلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فَحَكَاهُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جَدًّا، وَلَيْسَ يُوجَدُ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاخْتَارَهُ المُزَني وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ أَبُو يوسف ومحمد عن (?) أبي حنيفة،