وَقَوْلُهُ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ} أَيْ: يَفْرِضُ لَكُمْ فَرَائِضَهُ، وَيَحُدُّ لَكُمْ حُدُودَهُ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ شَرَائِعَهُ.
وَقَوْلُهُ: {أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ. {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ لِعِبَادِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الْمُتَوَفَّى.
وقد قال أبو جعفر ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّة، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا فِي مَسِيرٍ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْف رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ. قَالَ: وَنَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} فلقَّاها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَر، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لقَّانيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا (?) ، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ (?) كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُبَين لِي.
كَذَا (?) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى (?) ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ بِنَحْوِهِ. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَحُذَيْفَةَ (?) ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو البزَّار في مسنده: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ المَعْنيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حسَّان، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: "نَزَلَتِ الْكَلَالَةُ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا هُوَ بِحُذَيْفَةَ، وَإِذَا رَأَسُ نَاقَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُؤتَزَر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقَّاها إِيَّاهُ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نَظَرَ عُمَرُ فِي الْكَلَالَةِ، فَدَعَا حُذَيْفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ لقَّانيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيتُك كَمَا لَقَّانِي، وَاللَّهِ (?) إِنِّي لَصَادِقٌ، وَوَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا.
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ إِلَّا حُذَيْفَةَ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَردُوَيه مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى (?) .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَة: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيباني، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ سَعِيدٍ -[هُوَ] (?) ابْنُ المسيَّب-أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرّث الْكَلَالَةَ؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] (?) } الْآيَةَ (?) ، قَالَ: فَكَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ. فَقَالَ لِحَفْصَةَ: إِذَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْس فَسَلِيهِ عَنْهَا، فَرَأَتْ مِنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا (?) ، فقال: "أبوك ذكر لك هذا؟ ما