وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} أَيْ: هُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَحَسَّنَهُ لَهُمْ وَزَيَّنَهُ، وَهُمْ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ إِبْلِيسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] (?) } [يس: 60] وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ادَّعَوْا عِبَادَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سَبَأٍ: 41] .

وَقَوْلُهُ: {لَعَنَهُ اللَّهُ} أَيْ: طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ جِوَارِهِ.

وَقَالَ: {لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} أَيْ: مُعَيَّنا مقدَّرًا مَعْلُومًا. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ (?) إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ.

{وَلأضِلَّنَّهُمْ} أَيْ: عَنِ الْحَقِّ {وَلأمَنِّيَنَّهُمْ} أَيْ: أُزَيِّنُ لَهُمْ تَرْكَ التَّوْبَةِ، وَأَعِدُهُمُ الْأَمَانِيَ، وَآمُرُهُمْ بِالتَّسْوِيفِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَغُرُّهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ} قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَعْنِي تَشْقِيقَهَا (?) وَجَعْلَهَا سِمَةً وَعَلَامَةً لِلْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ.

{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ خِصَاءَ (?) الدَّوَابِّ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي عِيَاضٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ النَّهْيُ عن ذلك (?) .

وقال الحسن ابن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي بِذَلِكَ الوَشْم. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنِ الْوَشْمِ فِي الْوَجْهِ (?) وَفِي لفظٍ: "لَعَنَ (?) اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ". وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ والمستوشِمات، وَالنَّامِصَاتِ والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجات للحُسْن الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7] (?) .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمُ النخَعي، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ الخُراساني فِي قَوْلِهِ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} يَعْنِي: دِينَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرُّومِ: 30] عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ أَمْرًا، أَيْ: لَا تُبَدِّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ، وَدَعُوا النَّاسَ عَلَى فِطْرَتِهِمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (?) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015