سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قَالَ: قِرَاءَةً مِنْهُ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ قَرَأَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطُّورِ: 35] ، خِلْتُ أَنَّ فُؤَادِي قَدِ انْصَدَعَ (?) . وَكَانَ جُبَيْرٌ لَمَّا سَمِعَ هَذَا بعدُ مُشْرِكًا عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى بَعْدَ بَدْرٍ، وَنَاهِيكَ بِمَنْ تُؤَثِّرُ قِرَاءَتُهُ فِي الْمُشْرِكِ الْمُصِرِّ عَلَى الْكُفْرِ! وَكَانَ هَذَا سَبَبَ هِدَايَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ أَحْسَنُ الْقِرَاءَةِ مَا كَانَ عَنْ خُشُوعِ الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ أَخْشَاهُمْ لِلَّهِ (?) .

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: "الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ رَأَيْتَهُ يَخْشَى اللَّهَ" " (?) .

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتوه يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ " (?) وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ هَذَا، وَهُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَشَيْخَهُ ضَعِيفَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْغَرَضُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ التَّحْسِينُ بِالصَّوْتِ الْبَاعِثِ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ، فَأَمَّا الْأَصْوَاتُ بِالنَّغَمَاتِ الْمُحْدَثَةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْأَوْزَانِ وَالْأَوْضَاعِ الْمُلْهِيَةِ وَالْقَانُونِ الْمُوسِيقَائِيِّ، فَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا وَيُجَلُّ وَيُعَظَّمُ أَنَّ يُسْلَكَ فِي أَدَائِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَمُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ:

حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الفسق وأهل الكتابيين، وَيَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِي يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ " (?) .

حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عُلَيْمٍ قَالَ: " كُنَّا عَلَى سَطْحٍ وَمَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. قال يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: عَابِسٌ الْغِفَارِيُّ، فَرَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: يَفِرُّونَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي، فَقَالُوا: تَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ"؟ فَقَالَ: إِنِّي أُبَادِرُ خِصَالًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَفُّهُنَّ عَلَى أُمَّتِهِ: "بَيْعُ الْحُكْمِ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَوْمٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَفْقَهِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ إِلَّا ليغنيهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015