وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ، ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ، مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أُبِيحَ مَرَّةً، ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يُبَحْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَدْ رُويَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ القولُ بِإِبَاحَتِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، والسُّدِّي يَقْرَءُونَ: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالْعُمْدَةُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ (?) وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُقَرَّرَةٌ هِيَ فِي كِتَابِ "الْأَحْكَامِ".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَة بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: "يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرم ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ (?) شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا" وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (?) وَلَهُ أَلْفَاظٌ مَوْضِعُهَا كِتَابُ "الْأَحْكَامُ".
وَقَوْلُهُ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} مَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى قَالَ: فَلَا (?) جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ أَنْ تَرَاضَوْا (?) عَلَى زِيَادَةٍ بِهِ وَزِيَادَةٍ لِلْجُعْلِ (?) .
قَالَ السُّدِّيُّ: إِنْ شَاءَ أَرْضَاهَا مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى -يَعْنِي الْأَجْرَ الَّذِي أَعْطَاهَا عَلَى تَمَتُّعِهِ بِهَا-قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَتَمَتَّعُ مِنْكِ أَيْضًا بِكَذَا وَكَذَا، فَازْدَادَ (?) قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ رَحِمَهَا يَوْمَ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} .
قَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، وَهِيَ مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ مَا فِي رَحِمِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، فَلَا (?) يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.
وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا] (?) } [النِّسَاءِ: 4] أَيْ: إِذَا فَرَضْتَ (?) لَهَا صَدَاقًا فَأَبْرَأَتْكَ مِنْهُ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ وَلَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قال: زعم