..
نَحْمَد اللَّهَ وَحْدَهُ ... إِنَّ فِي ذَا لَمُعْتَبَرْ ...
إِنَّ فِي ذَا لَعبرةً ... لِلَبِيبٍ إِنِ اعْتَبَرْ ...
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَا يَعْتَبِرُ بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ وَآيَاتِهِ، فَقَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يُوسُفَ:105، 106] وَمَدَحَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قَائِلِينَ {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا} أَيْ: مَا خَلَقْتَ هَذَا الْخَلْقَ عَبَثًا، بَلْ بالحق لتجزي (?) الذين أساؤوا بِمَا عَمِلُوا، وَتَجْزِيَ (?) الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. ثُمَّ نَزَّهُوهُ عَنِ الْعَبَثِ وَخَلْقِ الْبَاطِلِ فَقَالُوا: {سُبْحَانَكَ} أَيْ: عَنْ أَنْ تَخْلُقَ شَيْئًا بَاطِلًا {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أَيْ: يَا مَنْ خَلَق الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ يَا مَنْ هُوَ مُنزه عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعَيْبِ وَالْعَبَثِ، قِنَا مِنْ (?) عَذَابِ النَّارِ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَقيضْنَا لِأَعْمَالٍ تَرْضَى بِهَا عَنَّا، وَوَفِّقْنَا لِعَمَلٍ صَالِحٍ تَهْدِينَا بِهِ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَتُجِيرُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِكَ الْأَلِيمِ.
ثُمَّ قَالُوا: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} أَيْ: أَهَنْتَهُ وَأَظْهَرْتَ خِزْيَهُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مُجِير لَهُمْ مِنْكَ، وَلَا مُحِيد لَهُمْ عَمَّا أَرَدْتَ بِهِمْ.
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ} أَيْ: دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} أَيْ يَقُولُ: {آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} أَيْ: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَاتَّبَعْنَاهُ {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} أَيْ: بِإِيمَانِنَا وَاتِّبَاعِنَا نَبِيَّكَ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، أَيِ: اسْتُرْهَا {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} أَيْ: فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} أَيْ: أَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ} قِيلَ: مَعْنَاهُ: عَلَى الْإِيمَانِ بِرُسُلِكَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ. وَهَذَا أَظْهَرُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عِقَال، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَسْقَلان أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ، يَبْعَثُ اللَّهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ (?) أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَيَبْعَثُ مِنْهَا خَمْسِينَ (?) أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللَّهِ، وَبِهَا صُفُوف الشهداء، رؤوسهم مُقَّطعة فِي أَيْدِيهِمْ، تَثِجّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا، يَقُولُونَ: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} فَيَقُولُ: صَدَق عَبْدِي، اغْسِلُوهُمْ بِنَهْرِ الْبَيْضَةِ. فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ نَقَاءً بِيضًا، فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شاؤوا".
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعد مِنْ غَرَائِبِ الْمُسْنَدِ، وَمِنْهُمْ من يجعله موضوعا، والله أعلم (?) .