فَصْلٌ
فَأَمَّا نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ، فَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَتَصَدَّى لِذَلِكَ الْحَجَّاجُ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، فَأَمَرَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَيَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ فَفَعَلَا ذَلِكَ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَطَ الْمُصْحَفَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مُصْحَفٌ قَدْ نَقَطَهُ لَهُ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ (?) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا كِتَابَةُ الْأَعْشَارِ عَلَى الْحَوَاشِي فَيُنْسَبُ إِلَى الْحَجَّاجِ أَيْضًا، وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ الْمَأْمُونُ، وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْشِيرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَكَانَ يَحُكُّهُ (?) وَكَرِهَ مُجَاهِدٌ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِبْرِ، فَأَمَّا بِالْأَلْوَانِ الْمُصَبَّغَةِ فَلَا. وَأَكْرَهُ تَعْدَادَ آيِ السُّوَرِ فِي أَوَّلِهَا فِي الْمَصَاحِفِ الْأُمَّهَاتِ، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّمُ فِيهِ الْغِلْمَانُ فَلَا أَرَى بِهِ بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فَنَقَطُوا، ثُمَّ خَمَّسُوا، ثُمَّ عَشَّرُوا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: أَوَّلَ مَا أَحْدَثُوا النَّقْطَ عَلَى الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِهِ، هُوَ نُورٌ لَهُ، أَحْدَثُوا نُقَطًا عِنْدَ آخِرِ الْآيِ، ثُمَّ أَحْدَثُوا الْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ.
وَرَأَى إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا، فَأَمَرَ بِمَحْوِهَا وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَخْلِطُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: ثُمَّ قَدْ أَطْبَقَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْأُمَّهَاتِ وَغَيْرِهَا.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَسَرَّ إِلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي. هَكَذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا وَقَدْ أَسْنَدَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (?) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ الله،