159

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُمْتَنًّا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَلَانَ بِهِ قَلْبَهُ عَلَى أُمَّتِهِ، الْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِهِ، التَّارِكِينَ لِزَجْرِهِ، وَأَطَابَ لَهُمْ لَفْظَهُ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ لَهُمْ لَيِّنًا لَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ بِكَ وَبِهِمْ.

قَالَ قَتَادَةُ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} يَقُولُ: فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ. وَ"مَا" صِلَةٌ، والعربُ تَصِلُهَا بِالْمَعْرِفَةِ كَقَوْلِهِ: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [النِّسَاءِ:155، الْمَائِدَةِ:13] وَبِالنَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ: {عَمَّا قَلِيلٍ} [الْمُؤْمِنُونَ:40] وَهَكَذَا (?) هَاهُنَا قَالَ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أَيْ: بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (?) .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَذَا خُلُقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ:128] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَيْوة، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِدٍ الحُبْراني قَالَ: أَخَدَ بِيَدِي أَبُو أمَامة الْبَاهِلِيُّ وَقَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: "يَا أبَا أُمامَةَ، إنَّ مِنَ الْمُؤْمِنينَ مَنْ يَلِينُ لِي قَلْبُه". (?) انْفَرَدَ (?) بِهِ أَحْمَدُ (?) .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الْفَظُّ: الْغَلِيظُ، [وَ] (?) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا غَلِيظُ الْكَلَامِ؛ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: {غَلِيظَ الْقَلْبِ} أَيْ: لَوْ كُنْتَ سيِّئَ الْكَلَامِ قَاسِيَ الْقَلْبِ عَلَيْهِمْ لَانْفَضُّوا عَنْكَ وَتَرَكُوكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَمَعَهُمْ عَلَيْكَ، وَأَلَانَ جَانِبَكَ لَهُمْ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّهُ رَأَى صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ بفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخّاب فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ (?) .

وَرَوَى أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، أَنْبَأَنَا بشْر بْنُ عُبَيد الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمّار بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاس كَمَا أمَرني بِإقَامَة الْفَرَائِضِ" (?) حديث غريب (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015