النارِ إهانةً لها وإذلالاً، ونكايةً لهم وإبلاغًا في حسرتِهِم وندامتِهِم، فإنَّ

الإنسانَ إذا قرنَ في العذابِ بمنْ كانَ سببَ عذابِهِ كانَ أشدَّ في ألَمِهِ وحسرَتِهِ.

ولهذا المعنى يقرنُ الكفارُ بشياطينهِم التي أضلتْهُم.

قالَ اللَّهُ تعالَى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) .

قالَ مَعْمرٌ عنْ سعيدٍ الجريريِّ في هذهِ الآياتِ: بلغنَا أن الكافرَ إذا بُعِثَ يومَ

القيامةِ منْ قبر، شُفِعَ بشيطانِهِ فلم يفارقْه حتى يصيرَهُما اللَّهُ إلى النارِ، فذاكَ

حينَ يقولُ: (يَا لَيْتَ بيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) .

وقالَ أبو الأشهبِ عن سعيدٍ الجريريِّ عن عباسٍ الجشميِّ: إنَّ الكافرَ إذا

خرجَ من قبرِهِ وجَدَ عندَ رأسِهِ مثلَ السرحةِ المحترقةِ شيطانةً فتأخذُ بيده.

فتقولُ: أنا قرينتُكَ أدخلُ أنا وأنتَ جهنَّم، فذاك قولُهُ: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ، خرَّجَهما ابنُ أبي حاتمٍ وغيرُهُ، والسرحةُ:

شجرةٌ كبيرةٌ.

وقد أخبرَ اللَّهُ تعالى عن حنقِ الكفارِ على من أضلَّهُم بقولِهِ: (وقَالَ الَّذِينَ

كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامَا لِيكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ) .

فإذا قُرن أحدُهُم بمن أضلَّه في العذابِ كانَ أشدَّ لعذابِهِ، فإنَّ المكانَ المتسعَ

يضيقُ على المتباغِضينِ باقترانِهِما في المكانِ الضيقِ.

وأخبرَ اللَّهُ تعالى عن اختصامِ الكفارِ معَ من كانَ معهُم من الشياطينِ ومن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015