قولِ منْ ادَّعى أنَّ "ما" نافية وأنَّ النفيَ فيمَا عدا المذكورِ مُستفادٌ منها.
وأيضًا فورودُها لغيرِ الحصرِ كثيرٌ جدًّا كقولهِ تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) .
وقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -
"إنما الرِّبا في النسيئة"
وقولِهِ: "إنَّما الشهرُ تِسعٌ وعشرونَ "
وغيرِ ذلكَ منَ النصوصِ ويُقالُ:
"إَنَّما العالِمُ زيد"
ومثلُ هذا لو أُريدَ به الحصرُ لكانَ هذا.
وقد يُقالُ: إن أغلبَ مواردِهَا لا تكونُ فيها للحصرِ
فإنَّ قولَهَ تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لا تفيدُ الحصرَ مُطْلقًا فإنَّه
سبحانَهُ وتعالَى لهُ أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غيرَ توحُّدِهِ بالإلهيةِ، وكذلك قولُهُ:
(قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
فإنَّه لم ينحصر الوحيُ إليه في هذا وحده.
وكذلكَ قوله: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ) ومثلُ
هذا كثيرٌ جدًّا وممَّا يبيّنُ عدمَ إفادتِها للحصرِ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ نبي من الأنبياءِ إلا قد أوتيَ منَ الآياتِ ما آمنَ على مثلِهِ البشرُ، وإنَّما كان الذي أوتيتُهُ وحيًا أوحاهُ اللَهُ إليَّ.
فأرجُو أنْ أكونَ أكثرُهُم تابِعًا يومَ القيامةِ"
فلَوْ كانتْ "إنَّما" للحصرِ لبَطَلَتْ أنْ تكونَ سائرُ آياتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاتِهِ سوى القرآنِ آياتٍ لهُ تدلُّ على صدقِهِ
لاعْترافِهِ بنَفْي ذلكَ وهذا باطلٌ قطْعًا فدلَّ على أنَّ "إنَما" لا تفيدُ الحصرَ في
مثلِ هذا الكلامِ وشبهِهِ.
والصوابُ: أنَّها تدلُّ على الحصرِ، ودلالَتها عليه معلومٌ بالاضطرارِ منْ لغةِ
العربِ، كما يُعلمُ منْ لغتِهِم بالاضطرارِ معانِي حروفِ الشرطِ والاسْتفهامِ