لم يستحلْ عذابُ الجسدِ البالي وإيصالُ العذابِ إليه بقدرةِ اللَّهِ عزَّ وجل.
وقد يستدلُّ لهذا أيضًا بأنَّ عمرَ بن الخطابِ قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم كلَّم أهلَ القليب: كيف تكلِّمُ أجسادًا لا أرواحَ فيها؟
فلم ينكر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإنَما قالَ:
"ما أنتُم بأسمعَ لما أقولُ منهم "
فدلَّ على أنَّ سماعَهُم حصل مع أجسامِهِم والأرواح فيها.
وقد دلَّ القرآنُ على سجودِ الجماداتِ وعلى تسبيحها للَّهِ عزَّ وجل.
وخشوعِها له، فدلَّ على أنَّ فيها حياةً وإدراكًا، فلا يمتنعُ مثلُ ذلك في جسدِ ابنِ آدمَ بعد مفارقة الروح له، واللَّهُ أعلم.
ويدلُّ على ذلكَ: ما أخبرَ اللَّهُ عن شهاداتِ الجلودِ والأعضاءِ يومَ القيامةِ
وما رُويَ عن ابن عباسٍ في اختصامِ الروح والجسدِ يومَ القيامةِ، فيدلُّ على
أنَّ الجسدَ يخاصمُ الروحَ ويكلِّمها وتكلِّمُه، وممّا يدلُّ على وقوع العذابِ على الأجسادِ، الأحاديثُ الكثيرةُ في تضييقِ القبرِ على الميتِ، حتى تختلفَ
أضلاعُهُ، ولا"نه لو كانَ العذابُ على الروح خاصّةً لم يختصَّ العذابُ بالقبرِ
ولم يُنسبْ إليه.
* * *
في قولِه تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
دلَّت هذه الآيةُ على إثباتِ الخشيةِ للعلماءِ بالاتفاقِ وعلى نفْيِها عنْ غيرِهم على أصح القولينِ، وعلى نفْي العِلْم عنْ غيرِ أهلِ الخشيةِ أيضًا.