وفيما قالهُ - رحمه اللَّهُ - نظر من وجهينِ:
أحدهما: أنَه لم يثبتْ سماعُ أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركهُ بالسِّنِّ.
وكانَ معاد بالشام، وأبو وائلٍ بالكوفةِ، وما زالَ الأئمةُ - كأحمدَ وغيرِه -
يستدلُّون على انتفاءِ السّماع بمثلِ هذا، وقد قال أبو حاتمٍ الرازىُّ في سماع أبي وائل من أبي الدرداءِ: قد أدركهُ، وكان بالكُوفةِ، وأبو الدُّردَاءِ بالشامِ - يعني: أنه لم يصحَّ له سماع منهُ.
وقد حكَى أبو زُرعةَ الدِّمشقيُّ عن قومٍ أنهم توقَّفُوا
في سماع أبي وائل من عمرَ، أو نفوه، فسماعُه من معاذ أبعدُ.
والثاني: أنَّه قد رواهُ حمَّادُ بنُ سلمةَ عن عاصمٍ بنِ أبي النَّجودِ عن شهرِ
ابن حوشب عن معاذ، خرَّجه الإمامُ أحمدُ مختصرًا، قال الدارقطني:
وهو أشبهُ بالصَّوابِ؛ لأنَّ الحديثَ معروف من رواية شهر على اختلافٍ عليه
قلت: ورواية شهر عن معاذ مرسلة يقينا، وشهر مختلف في توثيقهِ
وتضعيفه.
وقد خرَّجه الإمامُ أحمدُ من روايةِ شهرٍ عن عبدِ الرحمنِ بن غنمٍ
عن معاذ.
وخرَّجه الإمامُ أحمدَ - أيضا - من روايةِ عُروة بن النزال - أو النزالِ
ابنِ عروةَ -، وميمونِ بنِ أبي شبيب، كلاهما: عن معاذ. ولم يسمعْ عروةُ
ولا ميمونُ من معاذٍ.
وله طرق أخرى عن معاذٍ كلُّها ضعيفة.
وقولُه: "ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) .
يعني: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تلا هاتينِ الآيتينِ عندَ ذكرِه فضلَ صلاةِ الليلِ، ليبيِّنَ بذلكَ فضلَ صلاةِ الليلِ.