فأمره بإقامةِ وجهِهِ، وهو إخلاصُ قصدِه وعزمِه وهمِّه للدينِ الحنيفِ، وهوَ
الدينُ القيِّم، وهو فطرةُ اللَّهِ التي فطرَ العبادَ عليها، فإنَّ اللَّهَ ركَب في قلوبِ
عبادِه كلِّهم قبولَ توحيدِه والإخلاصِ لَه، وإنَّما يغيرهم عن ذلك تعليمُ منْ
علمهم الخروج عنه.
ولمَّا كان الخطابُ له - صلى الله عليه وسلم - لم تدخل فيه أمتُهُ معه قالَ بعدَ ذلكَ: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ، فجعلَ ذلكَ حالاً له ولأمتِهِ، وهو إنابتُهُم إليه.
ويعني به: رجوعَهم إليهِ، وأمرهم بتقواه، والتقوى تتضمنُ فعلَ جميع الطاعاتِ وتركَ المعاصِي والمخالفاتِ.
وخصَّ من ذلكَ إقامَ الصلاةِ، فلم يذكرْ من أعمالِ الجوارح باسمِهِ الخاصِ
سواها، والمرادُ بإقامتها: الإتيانُ بها قائمةً على وجهِها التامِّ، وفي ذلكَ دليلٌ
على شرَفِ الصلاةِ وفضلها، وأنها أهمُّ أعمالِ الجوارح.
ومن جملة إقامتِهَا المأمورِ به: المحافظةُ على مواقيتِهَا، فمن صَلَّى الصلاةَ
لغير مواقيتِهَا التي وَقَّتها اللَهُ فلم يُقم الصلاةَ، بل ضيَّعها وفرَّط فيها وسَها
عنها.
قال ابنُ عبَّاسٍ في قوله تعالى: (الَّذِينَ يقِيمونَ الصَّلاةَ) .
قال: يقيمون الصلاةَ بفرضِهَا.
وقال قتادة: إقامةُ الصلاةِ؛ المحافظةُ على مواقيتها ووضوئِها،