وقال ذو النونِ: علامةُ المحبينَ للَّهِ: أن لا يأنسُوا بسواهُ، ولا يستوحشُوا
معهُ، ثم قالَ: إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللَّه أنسَ باللَّه؛ لأن اللَّهَ أجلُّ في
صدورِ العارفينَ أن يحبُّوا غيرَه.
* * *
ثبتَ في "الصحيحينِ " و"السننِ " و"المسانيدِ" من غيرِ وجه أن جبريلَ -
عليه السلامُ - سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإحسانِ، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
"الإحسانُ: أنْ تعبدَ اللَّهَ كأنكَ تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فإنهُ يراكَ ".
وقال بعضُ العارفينَ من السلف: "منْ عملَ للَّهِ على المشاهدةِ فهو عارف.
ومنْ عملَ على مشاهدةِ اللَّهِ إياه فهو مخلِصٌ".
فهذان مقامان: أحدهما: الإخلاصُ، وهو أن يعملَ العبدُ على استحضارِ
مشاهدةِ اللَّهِ إياه، واطلاعِهِ عليه وقربِهِ منه، فإذا استحضَر العبدُ ذلكَ في
عملِهِ، وعملَ على هذا المقامِ فهو مخلصٌ للَّه، لأنَّ استحضارَهُ ذلكَ يمنعُهُ من
الالتفاتِ إلى غيرِ اللَّهِ وإرادتهِ بالعملِ.
والثاني: المعرفةُ التي تستلزمُ المحبةَ الخاصةَ، وهو: أن يعملَ العبدُ على
مشاهدةِ اللَّهِ بقلبهِ، وهو أنْ يتنورَ قلبُه بنورِ الإيمانِ وتنفذَ بصيرتُه في العرفانِ.
حتَّى يصيرَ الغيبُ عنده كالعيانِ، وهذا هو مقامُ الإحسانِ المشارُ إليه في
حديثِ جبريلَ - عليه السلامُ -، ويتفاوتُ أهلُ هذا المقامِ فيه بحسبِ قوةِ نفوذِ البصائرِ.
وقدْ فسَّرَ طائفة من العلماءِ المثلَ الأعلى المذكورَ في قولِهِ تعالى: