ولهذا، لمَّا ذكَر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهلَ الجنةِ يرونَ ربَّهم، حضَّ عقيبَ ذلكَ على المحافظةِ على صلاةِ العصرِ وصلاة الفجرِ؛ لأنَّ وقتَ هاتين الصَّلاتينِ وقتٌ لرؤيةِ خواصِّ أهلِ الجنةَ ربَهم وزيارتهم لهُ، وكذلكَ نعيمُ الذِّكرِ وتلاوةُ القرآن لا ينقطعُ عنهُم أبدًا، فيُلهمونَ التَّسبيحَ كَما يُلهمونَ النَّفسَ.
قال ابنُ عيينة: لا إله إلا اللَّه لأهلِ الجنَّةِ كالماءِ الباردِ لأهلِ الدُّنيا.
فأينَ لذَّةُ الذكَرِ للعارفينَ في الدُّنيا مِنْ لذَّتهم بهِ في الجنَّةِ؟!.
فتبيَّن بهذا أن قولَهُ تعالَى:: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ منْهَا) .
على ظاهرِه، فإنَّ ثوابَ كلمةِ التَوحيدِ في الدُّنيا أن يصِلَ صاحبُها إلى قولها
في الجنَّةِ على الوجهِ الذي يختصُّ به أهلُ الجنَّةِ.
وبكلِّ حال، فالذي يحصُلُ لأهلِ الجنة مِن تفاصيلِ العلم باللَّه وأسمائهِ
وصفاتهِ وأفعالهِ، ومن قُربهِ ومشاهدتِهِ ولذةِ ذكرِه هو أمرٌ لا يمكنُ التَّعبيرُ عن
كُنْهِهِ في الدُّنيا، لأنَّ أهلَها لم يُدركوه على وجهِهِ، بل هو ممَّا لا عينٌ رأتْ.
ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، واللَّهُ تعالى المسئول أن لا يحرمنا
خير ما عنده بشر ما عندنا، بمنِّه وكرمِه ورحمته، آمين.
* * *