ويشيرُ إلى ما تجلَّى لقلْبه من آثارِ القرب والأنسِ بما

يقوِّيةِ ويغذِّيهِ ويُغْنِيهِ عنِ الطعامِ والشرابِ. ً

* * *

وإنَّما شرعَ اللَهُ إقامَ الصَّلاةِ لذكرِه، وكذلكَ الحجَّ والطَّوافَ.

وأفضلُ أهلِ العباداتِ: أكثرهم للَّهِ ذكرًا فِيها، فهذا كلُّه ليسَ من الدنيا المذمومةِ، وهو المقصودُ من إيجادِ الدُّنيا، وأهلِها، كمَا قال تعالى:

(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) .

وقد ظنَّ طوائفُ مِنَ الفقهاءِ والصُّوفيَّةِ أنَّ ما يُوجدُ في الدنيا من هذه

العباداتِ أفضلُ ممَّا يُوجدُ في الجنَّة مِنَ النَّعيم، قالُوا: لأنَّ نعيمَ الجنَّةِ حظُّ

العبدِ، والعباداتُ في الدُّنيا حقُّ الربِّ، وحقُّ الربِّ أفضلُ من حظِّ العبد.

وهذا غلطٌ، ويقوِّي غلطهم قولُ كثيرٍ منَ المفسِّرين في قوله تعالى:

(مَن جَاءَ بِالحسَنَةِ فَلَهُ خَيْر مِّنْهَا) ، قالُوا: الحسنةُ: لا إله إلا اللَّه، وليس

شيء خيرًا منها. ولكن الكلام على التَّقديم والتَّأخير.

والمراد: فله منها خيرٌ، أي: له خيرٌ بسببها ولأجلها.

والصَّوابُ: إطلاقُ ما جاءت به نصوصُ الكتابِ والسنةِ، أنَّ الآخرةَ خيرٌ

منَ الأُولى مطلقًا.

وفي "صحيح الحاكم " عن المُستوردِ بن شدَّادٍ، قالَ: كنَّا عندَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتذاكرُوا الدُّنيا والآخرةَ، فقالَ بعضُهم: إنَّما الدنيا بلاغٌ للآخرةِ، -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015