وتقولُ: يا قُرَّةَ عيني، ويا عزيزَ نفسِي، أنت الذي حملتني على نفسِكَ.
وأنت الذي تعرَّضتَ لما حلَّ بك، لو كنتَ أطعتنِي لم تلقَ منِّي مكروهًا.
فتواجدَ الفتى، ثم قام: فصاحَ، وقال: قد وجدتُ قلبِي، قد وجدتُ قلبِي.
وتفكَّروا في قولهِ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلاَّ اللَّهُ) .
فإنَّ فيه إشارةً إلى أن المذنبينَ ليسَ لهُم من يلجئونَ إليه ويُعوِّلونَ عليه في مغفرةِ ذنوبِهِم غيرُهُ.
وكذلك قولُهُ في حقِّ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) .
فرتَّبَ توبتَه عليهم على ظنِّهم أن لا ملجأ من اللَّهِ إلا إليه، فإنَّ العبدَ إذا خافَ من مخلوقٍ، هربَ منه، وفرَّ إلى غيرِهِ.
وأمَّا من خافَ من اللَّهِ، فما لهُ منْ ملجأ يلجأُ إليه، ولا مهرَبٍ يهربُ إليه إلا
هو، فيهربُ منه إليهِ، كما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في دعائِهِ: "لا ملجأ، ولا منْجَا منكَ إلا إليكَ "، وكان يقولُ: "أعوذُ برضاك من سَخَطك، وبعفوك من عقوبتكَ، وبك منك ".
قال الفضيلُ بنُ عياضٍ - رحمه اللَّهُ -: ما مِنْ ليلةٍ اختلطَ ظلامُها، وأرْخى
الليلُ سِرْبالَ ستْرها، إلا نادَى الجليلُ - جلَّ جلالُهُ -: منْ أعظمُ منِّي جودًا، والخلائقُ لي عاصونَ، وأنا لهُم مراقبٌ؟ ، أكلؤهُم في مضاجِعِهم، كأنهم لم
يعصوني، وأتولَّي حفظَهم، كأنَّهم لم يُذنبوا فيما بيني وبينَهُم، أجود بالفضلِ
على العاصِي، وأتفضَّلُ على المسيء، من ذا الذي دعاني فلم أُلبِّهْ؟ أم منْ ذا