"أفضلُ الإيمانِ: أن يعلمَ العبدُ أنَّ الله معه حيثُ كان "
فيوجبُ ذلكَ الحياءَ منه في السرِّ والعلانيةِ.
قال بعضُهُم: خفِ اللَّهَ على قدرِ قدرتِهِ عليكَ.
واستحِ منه على قدرِ قربِهِ منكَ.
وقال بعضُهم لمن استوصَاهُ: اتَّقِ اللَّهَ أن يكونَ أهونَ الناظرينَ إليكَ.
وفي هذا المعنى يقولُ بعضُهم:
يا مدمنَ الذنبِ أما تستَحِي. . . واللَّهُ في الخلوةِ ثانيكَا
غرَّك من ربِّكَ إمهالُهُ. . . وسترُهُ طولَ مساويكَا
وفي حديثِ أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثلانةٌ يحبُّهم اللَّهُ: رجل أتى قومًا فسألهم باللَّهِ ولم يسألهُم لقرابةٍ كانتْ بينه وبينَهُم، فتخلفَ رجلٌ فأعطاهُ سرًّا، لا يعلمُ بعطيتِهِ إلا اللَّهُ والذي أعطاهُ، وقومٌ سارُوا ليلَهُم حتى إذا كانَ النومُ أحبَّ إليهم مما يعدلُ
به، فوضَعُوا رءوسهم فقامَ رجلٌ يتملقُنِي ويتْلُو كتابي، ورجلٌ كانَ في سرية فخلفُوا العدوَ، فهُزِمُوا، فأقبلَ بصدْرِهِ حتى يقتلَ أو يفتحَ له ".
فهؤلاء الثلاثةِ قد اجتمعَ لهم معاملةُ اللَّهِ سرًّا بينَهُم وبينَهُ، حيثُ غَفَل
الناسُ عنهُم، فهُوَ تعالى يحبُّ من يعامُلُهُ سرًّا بينه وبينَهُ، حيث لا يعامله
حينئذٍ أحد، ولهذا فُضِّلَ قيامُ وسطِ الليلِ على ما سواه من أوقاتِ الليلِ.
والمحبونَ يحبونَ ذلك أيضًا علمًا منهم باطلاعه عليهم ومشاهدته لهم، فهم
يكتفون بذلك لأنهم عرفوه فاكتفوا به من بين خلقه، وعاملُوه فيما بينَهُ وبينَهُم