وأمرَ الناسَ بمسألةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ والرغبة إليهِ، وقرأَ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) .
وقد ثبتَ في "الصحيحينِ " عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ كلَّ ليلة إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبْقَى ثلثُ اللَّيْلِ الآخرِ، يقولُ: هلْ من داع، فأستجيبَ له؛ هلْ من سائل فأعْطِيَهُ؛ هلْ منْ مُستغفرٍ فأغْفِرَ لَهُ؟ ".
وخرَّج المحامليُّ وغيرُهُ من حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "قالَ اللَّهُ تعالَى: من ذا الذي دعانِي فلمْ أُجِبْهُ؟ وسألَني فلمْ أُعطِهِ؛ واستغفرَنِي، فلمْ أغفرْ لهُ، وأنا أرحمُ الراحمين؟ ".
واعلمْ، أنَّ سؤالَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ دونَ خلقِهِ هو المتعينُ، لأنَّ السؤالَ فيه
إظهارُ الذلِّ من السائلِ والمسكنةِ والحاجةِ والافتقارِ، وفيه الاعترافُ بقدرةِ
المسئولِ على رفع هذا الضرِّ، ونيلِ المطلوبِ، وجلبِ النافع ودرءِ المضارِّ، ولا يصلحُ الذلُّ والافتقارُ إلا للَّهِ وحدَه، لأنَّه حقيقةُ العبادة.
وكانَ الإمامُ أحمدُ يدعُو ويقولُ: اللَّهمَّ كَمَا صُنتَ وجهِي عنِ السُّجودِ
لغيرِك فصُنْه عن المسألةِ لغيرِك. ولا يقدرُ على كشفِ الضرِّ وجلبِ النفع
سواهُ، كمَا قالَ: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) ، وقالَ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) .