بطبيعتها، فإنَّ هذه الكلمةَ بيَّنتْ أنَّ القَويَّ لا يكُونُ إلا باللَّه.
* * *
وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أتبع السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها"
ظاهرُه أنَّ الستيئاتِ تُمحَى بالحسناتِ.
وقد تقدَّم ذكرُ الآثارِ التي فيها أنَّ السيئةَ تمحى من صُحفِ الملائكة بالحسنةِ إذا عُملتْ بعدَهَا، قال عطيّةُ العوفيُّ: بلغنِي أنَّه من بكى على خطيئتهِ مُحيتْ
عنه، وكُتِبتْ له حسنة، وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو، قالَ: من ذكرَ خطيئةً
عمِلهَا، فوَجِلَ قلبُهُ منها، فاستغفرَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لم يَحبسْها شيءٌ حتى
يمحوها عنه الرَّحمنُ. وقال بِشْرُ بنُ الحارثِ: بلغني عن الفضيلِ بنِ عياضٍ.
قالَ: بكاءُ النَّهارِ يمحُو ذنوبَ العلانيةِ: وبكاءُ الليلِ يمحُو ذنوبَ السِّرِّ، وقد
ذكرَنا قولَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -:
"ألا أدلكم على ما يمحُو اللَّه به الخطايا ويرفعُ به الدرجاتِ " الحديث.
وقال طائفة: لا تُمحَى الذنوبُ من صحائفِ الأعمالِ بتوبةٍ ولا غيرِها، بل
لابُدَّ من أن يُوقفَ عليها صاحبُها ويقرأُها يومَ القيامةِ، واستدلُّوا بقولِهِ تعالى:
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) .
وفي الاستدلالِ بهذهِ الآيةِ نظرٌ، لأنَّه إنَّما ذكرَ فيها حالَ المجرمينَ، وهم أهلُ الجرائم، والذنوبِ العظيمةِ، فلا يدخلُ فيهم المؤمنونَ التائبونَ من ذنوبِهِم، أو المغمورةِ ذنوبُهم بحسناتِهِم.
وأظهرُ من هذا، الاستدلالُ بقولِهِ تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .