قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
[قالَ البخاريُّ] : "بابُ: هل تُنْبَشُ قُبُورُ مُشركي الجاهليّة، ويُتخذُ
مكانُها مساجدَ لقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
"لعن الله اليهودَ، اتَخذوا قبورَ أنبيائِهِم مساجدَ"
وما يكرَهُ من الصلاةِ في القبُورِ":
ورأى عمرُ أنسَ بنَ مالكٍ يُصلِّي عندَ قبرٍ، فقال: القبرَ القبرَ، ولم يأمرْهُ بالإعادةِ.
مقصودُ البخاريّ بهذا البابِ: كراهةُ الصلاةِ بين القبورِ وإليها، واستدلَّ
لذلكَ بأن اتَّخاذَ القبورِ مساجدَ ليسَ هو من شريعةِ الإسلامِ، بل من عملِ
اليهودِ، وقد لعنَهُمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلكَ.
وقد دلَّ القرآنُ على مثلِ ما دلَّ عليه هذا الحديثُ، وهو قولُ اللَّهِ عزَ وجلَّ
في قصةِ أصحابِ الكهفِ: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهم مَسْجِدًا) ، فجعل اتخاذَ القبورِ على المساجدِ من فعلِ أهلِ الغلبةِ على
الأمورِ، وذلك يشعرُ بأنَّ مستندَهُ القهرُ والغلبةُ واتباعُ الهوى، وأنَّه ليس من
فعلِ أهلِ العلم والفضلِ المتبعينَ لما أنزلَ اللهُ على رسلِهِ من الهُدَى.