وأمَّا أهلُ الروايةِ إذا اجتمعَ عندَهُم من ألفاظِ الرسولِ، وكلامِ الصحابةِ
والتابعينَ، وغيرِهم في التفسيرِ، والفقهِ، وأنواع العلومِ، لم يتصرفُوا في ذلكَ
بل نقلُوه كما سمعُوه، وأدوه كما حفظُوه وربما كانَ لكثيرِ منهُم من التصرفِ
والتميزِ في صحةِ الحديثِ وضعفهِ من جهةِ إسنادِهِ، وروايتِهِ ما ليسَ
لغيرِهِم.
* * *
وفُسِّر "أمُّ الكتابِ " باللَّوح المحفوظِ، وبالذكَر، في قولِهِ تعالى:
(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) .
وعن ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما -، أنه سألَ كعبًا، عن "أمّ الكتابِ " فقال: علِمَ اللَّه ما هو خالق، وما خلْقُه عامِلون، فقال لعلمِهِ: كُنْ كتابًا، فكان كتابًا.
ولا ريبَ أنَّ علمَ اللَّهِ تعالى قديمٌ أزليٌّ لم يزلْ عالمًا بما يُحدِثُهُ من
مخلوقاتٍ، ثم إنَّه تعالى كتبَ ذلك في كتابٍ عندهَ قبل خلْقِ السماواتِ
والأرضِ، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) .
وفي "صحيح البخاريِّ " عن عمْرانَ بنِ حُصينٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"كانَ اللَهُ ولا شيءَ قبله، وكان عرشُهُ على الماءِ، وكتبَ في الذكرِ كل شيءٍ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ ".