فليستغفرِ اللَّه وَليتبْ، فإنَّما هي خطايا مطوَّقة في أعناقِ الرجالِ.
وإن الهلاكَ كُلَّ الهلاكِ في الإصرارِ عليها.
ومعنى هذا: أن العبدَ لا بُدَّ أن يفعلَ ما قُدِّرَ عليه من الذنوبِ كما قال
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُتِبَ على ابنِ آدمَ حظُّهُ من الزِّنى، فهُوَ مُدْركٌ ذلك لا محالة" ولكنَّ اللَّهَ جعلَ للعبدِ مخرجًا مما وقعَ فيه من الذنوبِ، بالتوبةِ والاستعفارِ، فإنْ فعلَ، فقدْ تخلَّصَ من شرِّ الذنوبِ، وإن أصرَّ على الذنوبِ، هلكَ.
وفي "المسندِ" من حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ارحَمُوا تُرْحموا واغفِروا يُغْفَرْ لكم، ويل لأقْماع القولِ، ويل للمُصرِّين الذي يُصرون على ما فعلوا وهُم يعلمون ".
وفُسِّر أقماعُ القولِ: بمن كانتْ أذناهُ كالقُمع لما يسمعُ من الحكمةِ والموعظةِ
الحسنةِ، فإذا دخلَ شيء من ذلكَ في أذنه خرج من الأخرى ولم ينتفع بشيء
مما سمعَ.
وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -:
"أتْبِع السيّئةَ الحسنةَ تمحُها"
قد يُرادُ بالحسنة التوبةُ من تلكَ السيئةِ.
وقد وردَ ذلك صريحًا في حديثٍ مرسلٍ، خرَّجه ابنُ أبي الدنيا من "مراسيلِ
محمدِ بنِ جُبير" أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما بعثَ معاذًا إلى اليمن قالَ: "يامعاذُ، اتَقِ اللهَ ما استطعتَ، واعملْ بقوَّتِكَ للَّهِ عزَ وجلَّ ما أطقْتَ، واذكرِ اللَّهَ عزَّ وجلَّ عندَ كل شجرةٍ وحجرٍ، وإنْ أحدثت ذنبًا، فأحدِثْ عندهُ توبةً، إنْ سرًّا فسر وإن علانيةً فعلانية"
وخرَّجه أبو نُعيمٍ بمعناهُ من وجه آخرَ ضعيفٍ عن معاذ.