وقال الأوزاعيُّ: إنَّ اللَّهَ إذا أراد أن يحرِمَ عبدَه بركةَ العلم، ألقى على
لسانِهِ المغاليطَ، فلقد رأيتُهم أقلَّ الناسِ علمًا.
وقال ابنُ وهب عن مالكٍ: أدركتُ هذه البلدةَ، وإنَّهم ليكرهُون هذا
الإكثارَ الذي فيه الناسُ اليومَ، يريدُ المسائلَ.
وقال أيضًا: سمعتُ مالكًا وهو يعيبُ كثرةَ الكلامِ وكثرةَ الفتيا، ثم قالَ:
يتكلَّمُ كأنه جملٌ مُغْتَلِمٌ يقولُ: هو كذا، هو كذا يَهْدِرُ في كلامِهِ.
وقال: وسمعتُ مالكًا يكرهُ الجوابَ في كثرةِ المسائلِ، وقال: قال اللَّهُ عزَّ
وجلَّ: (وَيَسْأَئونَكَ عَنِ الروحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، فلم يأتِهِ في
ذلكَ جوابٌ.
وكان مالكٌ يكرهُ المجادلةَ عن السُّنن أيضًا. قال الهيثمُ بنُ جميلٍ: قلتُ
لمالكٍ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، الرجلُ يكونُ عالمًا بالسُّن يُجادِلُ عنها؟
قالَ: لا، ولكن يخبر بالسُّنَّةِ، فإن قُبِلَ منه، وإلا سكتَ.
وقال إسحاقُ بنُ عيسى: كان مالكٌ يقولُ: المِراءُ والجِدالُ في العلم يذهبُ
بنورِ العلم من قلبِ الرجلِ.
وقال ابنُ وهبٍ: سمعتُ مالكًا يقولُ: المراءُ في العلم يُقسَي القلوبَ
ويورِّث الضغنَ.
وكان أبو شريح الإسكندرانيُّ يومًا في مجلسِهِ، فكثُرَتِ المسائلُ، فقال: قد
دَرِنَتْ قلوبُكم منذُ اليوم، فقومُوا إلى أبي حُميدٍ خالد بن حميد اصقُلوا
قلوبكم، وتعلَّموا هذه الرغائبَ، فإنَها تُجَدِّدُ العبادةَ، وتُورثُ الزهادةَ، وتجرُّ الصداقةَ، وأقلُّوا المسائلَ إلا ما نزلَ، فإنها تقسِّي القلوبَ، وتورثُ العداوةَ.