والثاني: أنَّ آيةَ النساءِ لم تُحَرِّم الخمرَ مطلقًا بل عند حضورِ الصلاةِ، وهذا
كان قبلَ أحد، وقصة عائشةَ كانتْ بعد غزوةِ أُحُدٍ بغيرِ خلافٍ، وليسَ في
قصَّتِها ما يناسبُ النهي عن قربانِ الصلاةِ مع السُّكْرِ حتى تُصَدَّر به الآيةُ.
وأمَّا تصديرُ الآيةِ بذكرِ الوضوءِ فلم يكنْ لأصلِ مشروعيتِهِ، فإنَّ الوضوءَ
كان شُرع قبلَ ذلك بكثيرٍ، كما سبقَ تقريرُه في أولِ "كتابِ الوضوءِ"، وإنَّما كان تمهيدًا للانتقالِ عنه إلى التيمم عندَ العجزِ عنه.
ولهذا قالتْ عائشةُ: فنزلتْ آيةُ التيمم، ولم تقل: آيةُ الوضوءِ.
والثالث: أنه قد ورد التصريحُ بذلكَ في "صحيح البخاريِّ " كما ذكرناه.
وأمَّا توقُّفهم في التيممِ حتَّى نزلتْ آيةُ المائدةِ مع سبْقِ نزولِ التيممِ في
سورة النساءِ، فالظاهرُ - واللَّهُ أعلمُ - أنَّهم توقَّفوا في جوازِ التيممِ في مثلِ
هذه الواقعةِ، لأنَّ فَقْدَهم للماءِ إنما كانَ بسببِ إقامتِهِم لطلبِ عقْدٍ أو قلادة، وإرسالِهم في طلبِها من لا ماءَ معه مع إمكانِ سيرِهم جميعًا إلى مكانٍ فيه
ماءٌ، فاعتقدُوا أنَّ في ذلك تقصيرًا في طلبِ الماءِ، فلا يُباحُ معه التيممُ.
فنزلتْ آيةُ المائدةِ مُبَيِّنةً جوازَ التيمم في مثلِ هذه الحالِ، وأنَّ هذه الصورةَ
داخلةٌ في عمومِ آيةِ النساءِ.
ولا يُستبعدُ هذا، فقد كان طائفةٌ من الصحابةِ يعتقدونَ أنَّه لا يجوزُ
استباحةُ رُخَصِ السَّفرِ من الفطرِ والقَصْرِ إلا في سفرِ طاعةٍ دونَ الأسفارِ
المُباحةِ، ومنهم من خَصَّ ذلك بالسفرِ الواجبِ كالحجِّ والجهادِ، فلذلكَ توقَّفوا في جوازِ التيمم للاحتباسِ عن الماءِ لطلب شيءٍ من الدنيا حتى بيَّن لهم
جوازَهُ ودخولَهُ في عمومِ قولهِ: (فَلَمْ تَجِدوا مَاءً) ، ويدل ذلك على