والمعنى: أنَّ اللَّهَ حرَّم على أهلِ الكتابِ أن يقتلَ بعضُهم بعضًا، أو يخرجَ
بعضُهم بعضًا من دارِه، وكان اليهودُ حلفاء الأوسِ والخزرج بين المدينة، فكانَ إدْا وقعَ بينَ الأوسِ - أو الخزرج - وبينَ اليهودِ قتالٌ، ساعدَ كل فريقٍ من اليهودِ بحلافه من الأوسِ والخزرج على أعدائِهم، فقتلوهم معهم.
وأخرجُوهم معهُم من ديارِهم، بعد أن حُرِّم عليهم ذلكَ في كتابهِم وأقرُّوا
بهِ، وشهدُوا به، ثُمَّ بعدَ أن يؤسَرَ أولئكَ اليهودُ يفدوهُم هؤلاءِ الذين
قاتلُوهم، امتثالاً لما أُمِروا به في كتابِهم من افتداءِ الأسرى منهم.
فسمَّى اللَّهُ عزَّ وجلَّ فعلَهم للافتداءِ لإخوانهم إيمانًا بالكتابِ، وسمَّى
قتلَهم وإخراجَهم من ديارِهم كفرًا بالكتابِ، فدلتْ هذه الآية ُ على أنَّ القتالَ والإخراجَ من الديارِ إذا كان محرَّمًا يسمَّى كفرًا، وعلى أن فعلَ بعضِ
الطاعاتِ يسمَّى إيمانًا؛ لأنه سمَّى افتداءهم للأسارى إيمانًا.
وهذا حسنٌ جدًّا، ولم أرَ أحدًا من المفسرينَ تعرَّض له، وللَّهِ الحمدُ والمنَّةُ.
والحديثُ الثاني:
حديث: عُبادةَ بنِ الصامتِ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
خرَجَ يُخبرُ بليْلةِ القدْرِ، فتَلاحَى رَجُلانِ من المسلمينَ، فقالَ: "إنِّي خرجتُ لأخْبِرَكُم بليلةِ القدْرِ، وإنَّه تلاحَى فُلانٌ وفُلانٌ فَرُفِعَتْ، فعسى أن يكون خيرًا لكُم، التمسُوها في السَّبعْ والتِّسع والخَمْسِ ".
إنَّما خرَّج البخاريُّ هذا الحديثَ في هذا البابِ، لذكرِ التلاحي.
والتلاحي: قد فسِّر بالسبابِ، وفسِّر بالاختصامِ والمُمَاراةِ من دونِ سبابِ.