ولمَّا نزلَ قولُهُ عزَّ وجل: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) ، قالتْ عائشةُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما أرَى ربَّك إلا يُسارِعُ في هواك.
وقال عمرُ في قصة المشاورةِ في أُسارَى بدرٍ: فهوَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالَ أبو بكرٍ، ولم يَهْوَ ما قلتُ، وهذا الحديثُ مما جاء استعمالُ الهَوى فيه بمعنى المحبةِ المحمودةِ.
وقد وقعَ مثلُ ذلكَ في الآثارِ الإسرائيليةِ كثيرًا، وكلامُ
مشايخ القومِ وإشاراتُهم نظمًا ونثرًا يكثُر فيها هذا الاستعمال.
وممَّا يناسبُ معنى الحديثِ من ذلكَ قولُ بعضهِم:
إن هواكَ الَّذي بقلْبِي. . . صَيرنِي سامِعًا مطِيعًا
أخذتَ قلْبي وغَمْضَ عيني. . . سَلَبتنِي النَّومَ والهُجُوعا
فذَرْ فؤادِي وخُذْ رُقادِي. . . فقالَ: لا بلْ هُمَا جميعًا
* * *
قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37"
[قالَ البخاريُّ] : وقال ابنُ عباسٍ: (نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)