وقوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) .
فيه قولانِ حكاهُمَا ابنُ الجَوزِي.
أحدُهُما: أنَّ المرادَ به الصلاةُ، نَقَلَهُ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ.
والثاني: التسبيحُ المعروفُ.
وفي الباءِ في "بحمدِ" قولانِ:
أحدُهُما: أَنَّها للمُصَاحبةِ فالحمدُ مُضافٌ إلى المفعولِ، أَيْ فسبِّحْهُ حامدًا
لَهُ، والمعْنَى: أجْمعُ بينَ. تسْبيحِهِ وهُوَ تنزيهُهُ عَمَّا لا يليقُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ.
وبين تحمِيدِهِ وهوَ إثباتُ ما يليقُ بِهِ مِنَ المَحَامِدِ.
والثاني: أَنَّها للاستعانَةِ، والحمدُ مُضَافٌ إلى الفَاعِلِ، أي سبِّحْهُ بما حَمِد
به نفسَهُ إذْ ليسَ كُل تسبيح بمحمود كَمَا أنّ تسبيحَ المعتزلةِ يقْتَضِي تعطيلَ كثيرٍ من الصفاتِ، كَمَا كانَ بشرُ المَرِيسيُّ يقولُ: سبحانَ ربي الأسْفَل.
وقولُه: (وَاسْتَغْفِرْهُ) .
أي اطلبْ مغفرَتَهُ، والمغفرةُ هِيَ وقايةُ شَرِّ الذنبِ لا مجردُ سَتْر.
والفرقُ بَيْنَ العفوِ والمغفرةِ أنَّ العفْوَ محوُ أثرِ الذنبِ، وقدْ يكونُ بَعْدَ عقوبةٍ
بخلافِ المغفرةِ فإنَّها لا تكونُ مَعَ العقوبةِ.
وقولُه: (إِنَّهُ كانَ تَوَابًا) .
إشارةٌ إلى أنَّه سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ توبةَ المستغفرينَ المنيبينَ إليهِ، فَهُوَ ترغيبٌ في
الاستغفارِ، وحَثٌّ على التوبةِ، وقَدْ فَهِمَ طائفةٌ مِنَ الصحَابَةِ - رضي الله عنهم - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ بالتسبيح والتحميدِ والاستغفارِ عندَ مجيءِ نصرِ اللَّهِ والفتح، شُكرًا للَّهِ