كانت قصَّةُ الفيلِ توطِئةً لنبوَّتِهِ وتقدمَةً لظُهوره وبعثتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقد قصَّ اللَّه تعالى ذلك في كتابه فقال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) .
فقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)
استفهامُ تقريرٍ لِمن سمع هذا الخطابَ، وهذا يدُلُّ على اشتهارِ ذلكَ بينهم ومعرفتِهم به، وأنَّه ممّاً لا يخفَى علمُه على العربِ، خصوصًا قريش وأهل مكَّةَ، وهذا أمر اشتهرَ بينهُم وتعارفُوه، وقالوا فيه الأشعارَ السَّائرةَ.
وقد قالتْ عائشة - رضي الله عنها -: رأيتُ قائدَ الفيلِ وسَائِسَهُ بمكَّةَ أعميينِ يستطعمانِ.
وفي هذه القصَّة ما يدلُّ على تعظيم مكَّةَ، واحترامِها واحترامِ بيتِ اللَّه الذي
فيها، وولادةُ النًّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عقيبَ ذلك تدُلُّ على نبوَّته ورسالتهِ، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - بعثَ بتعظيمِ هذا البيتِ وحجِّه والصلاة إليهِ، وكانَ هذا البلدُ هو موطِنه ومولده.
فاضطرَّه قومُهُ عندَ دعوتِهِم إلى اللًّهِ تعالى إلى الخُروج منه كُرهًا بما نالوه منه