فلمَّا وصفَ هؤلاءِ بالتَّقوى والإحسانِ، دلَّ على أنَّهم ليسُوا بمصرِّين على الذُّنوبِ، بلَ هم تائبونَ مِنْهَا.
وقوله: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) يدخلُ فيه الكبائرُ.
لأنها أسوأُ الأعمالِ، وقالَ: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
فرتَّبَ على التقوى المتضمنةِ لفعلِ الواجباتِ وتركِ المحرَّمات.
تكفيرَ السيئاتِ وتعظيمَ الأجرِ، وأخبرَ اللَّهُ عَن المؤمنين المتفكِّرين في خلق
السماواتِ والأرض أنَّهم قالُوا: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) .
وأخبرَ أنَّه استجابَ لهم ذلكَ، وأنَّه كفَّر عنهم سيئاتِهم، وأدخلهم الجناتِ.
وقولُه: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) فخصَّ الذنوبَ بالمغفرةِ.
والسيئات بالتَّكفيرِ، فقد يقالُ: السيئاتُ تخصُّ الصغائرَ، والذنوبُ يرادُ بها
الكبائر، فالسيئاتُ تكفر، لأن اللَّه جعل لها كفاراتٍ في الدنيا شرعيةً
وقدريةً، والذنوبُ تحتاجُ إلى مغفرة تقي صاحبَها مِنْ شرِّها، والمغفرةُ والتكفيرُ متقاربانِ، فإنَّ المغفرةَ قد قيل: إنها سَتْرُ الذُّنوبِ، وقيلَ: وقايةُ شر الذنبِ مع سترِهِ، ولهذا يسمَّى ما سترَ الرأسَ ووقاهُ في الحربِ: مِغْفَرًا، ولا يسمَّى كلُّ ساترٍ للرأس مغفرًا، وقد أخبرَ اللَّهُ عن الملائكةِ أنَّهم يدعونَ للمؤمنينَ التائبينَ بالمغفرةِ ووقايةِ السيئاتِ والتكفيرِ مِنْ هذا الجنس، لأنَّ أصلَ الكفرِ السترُ والتغطيةُ أيضًا.
وقد فرَّق بعضُ المتأخرينَ بينهما بأنَّ التكفيرَ محوُ أثرِ الذَّنب، حتَى كأنَّه لم