ولهذا المعنى - واللَّهُ أعلمُ - كان أبيّ بن كَعب يقنُتُ في الوتر في ليالي
النصف الأواخرِ؛ لأنَّه يُرجى فيه ليلةُ القدرِ.
وأيضًا فكُلُّ زمانٍ فاضلٍ من ليلٍ أو نهار، فإنّ آخرَه أفضلُ من أوَّلِه، كيومِ
عرفَةَ، ويومِ الجُمعة، وكذلك الليلُ والنَّهار عمومًا؛ آخِرُهُ أفضل من أوَّلهِ.
ولذلك كانتِ الصلاةُ الوسطَى صلاةَ العصْر، كما دلَّتِ الأحاديثُ الصحيحةُ
عليه، وآثار السَّلفِ الكثيرةُ تدُلُّ عليهِ، وكذلكَ عشرُ ذي الحجةِ والمحرمِ "
آخرُهما أفضلُ من أوَّلهِمَا.
وأمَّا الثاني: ففي "سننِ أبي داود" عن ابنِ مسعودٍ مرفوعًا:
"اطلُبُوها ليلةَ سبع عشرةَ مِن رَمضانَ، وليلةَ إحدَى وعشرين، وليلةَ ثلاثٍ وعشرين "، ثم سكتْ.
وفي روايةٍ: "ليلةَ تسعَ عشرةَ"، وقيلَ: إنَّ الصحيحَ وقْفُه على ابنِ مسعودٍ، فقد صحَّ عنه أنَّه قال: تحرُّوا ليلةَ القدْرِ ليلةَ سبعَ عشرةَ، صباحيَّةَ بدرٍ، أو إحدى وعشرين، وفي روايةٍ عنه، قالَ:
"ليلةَ سبعَ عشرةَ، فإنْ لم يكن ففي تسعَ عشرةَ".
وخرَّج الطبرانيُّ من روايةِ أبي المُهزِّم، وهو ضعيف، عن أبي هريرةَ
مرفوعًا، قال:
"التمسُوا ليلةَ القدْرِ في سبعَ عشرةَ أو تسعَ عشرةَ، أو إحدى وعشرين.
أو ثلاثٍ وعشرين، أو خمسٍ وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسعٍ وعشرين ".
ففي هذا الحديثِ: التماسُها في أفرادِ النصفِ الثاني كلها، ويروى من حديثِ
عائشةَ - رضي الله عنها -: أنَّ النَّبيَ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا كان ليلةَ تسعَ عشرةَ من رمضانَ شدَّ المئزرَ وهجرَ الفراشَ حتى يُفطرَ.
قال البخاريُّ: تفرَّد به عُمرُ بن مسكينٍ، ولا يتابع عليهِ، وقد رُويَ عن