للزبانية: ردُّوا عارفي لأنه يعرفني واخلعُوا عليه خلعَ كرامتي، ودعَوه يتبحبح
في رياضِ الجنَّةِ، فإنه عارفٌ بي وأنا له معروف.
* * *
قالَ الله تعالى لمحي حقِّ الفجارِ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) .
فوصفَهُم بأنَّ كسبَهُم رانَ على قلوبِهِم، والرانُ هو ما يعلُو على القلبِ من الذنوبِ من ظلمةِ المعاصي وقسوتِها، ثمَّ ذكرَ جزاءَهُم على ذلكَ وهو ثلاثةُ أنواع: الحجابُ عن ربِّهم، ثم صَلْيُ الجحيمِ، ثم التوبيخُ.
فأعظم عذاب أهلِ النارِ حجابُهم عن ربِّهم عزَّ وجلَّ، ولمَّا كانتْ قلوبُهم
في الدنيا مظلمة قاسيةٌ لا يصلُ إليها شيءٌ من نورِ الإيمانِ وحقائقُ العرفانِ
كان جزاؤهم على ذلكَ في الآخرةِ حجابَهم عن رؤية الرحمنِ.
قالَ بعضُ العارفين: " من عرفَ اللَّهَ في الدنيا، عرِفَهُ بقدرِ تعرُّفِهِ إليه.
وتجلَّى له في الآخرةِ بقدرِ معرفتِهِ إياه في الدُّنيا فرأوه في الدنيا رؤيةَ الأسرارِ.
ورأَوه في الآخرةِ رؤيةَ الأبصارِ، فمنْ لا يراهُ في الدنيا بسرهِ لسرهِ، لا يراهُ
في الآخرةِ بعينه " انتهى.
فخوفُ العارفينَ في الدنيا من احتجابِهِ عن بصائرِهِم، وفي الآخرةِ من
احتجابهم عن أبصارِهِم ونواظرِهِم.
وكتبَ الأوزاعيُّ إلى أخ له: "أما بعد: فإنَّه قدْ أحيطَ بك من كل جانبٍ،