وكلٌّ منهما فرضٌ لازِم، والجمعُ بين الثلاثةِ حتم واجبا، فلهذا كانَ
السلفُ يذمونَ من تعبَّدَ بواحدٍ منها وأهملَ الآخَرَينِ، فإن بدعَ الخوارج ومن
أشبهَهُم إنما حدثتْ من التشديدِ في الخوفِ والإعراضِ عن المحبةِ والرجاءِ.
وبدعُ المرجئةِ نشأتْ من التعلقِ بالرجاءِ وحدَهُ والإعراض عن الخوفِ، وبدعُ
كثيرٍ من أهلِ الإباحةِ والحلول ممن يُنسبُ إلى التعبدِ نشأتْ من إفرادِ المحبةِ
والإعراضِ عن الخوفِ والرجاءِ.
وقد كثُرَ في المتأخرينَ المنتسبينَ إلى السلوكِ تجريدُ الكلامِ في المحبةِ وتوسيعُ
القول فيها بما لا يُساوي على الحقيقةِ مثقال حبةٍ، إذ هو عار عن الاستدلال
بالكتابِ والسنةِ، وخال من ذكرِ كلامِ مَنْ سلفَ من سلفَّ الأمةِ وأعيانِ
الأئمةِ، وإنَّما هو مجردُ دعاوى، قد تُشرِفُ بأصحابِهَا على مَهَاوِي، وربما
استشهدُوا بأشعارِ عشاقِ الصورِ، وفي ذلكَ ما فيه من عظيم الخطرِ، وقد
يحكونَ حكاياتِ العشاقِ، ويشيرونَ إلى التأدبِ بما سلكُوه من الآدابِ
والأخلاق، وكل هذا ضررُه عظيمٌ، وخطرُه جسيم، وقد يكثِر ذكرَ المحبةِ.
ويعيدُها ويبديها مَنْ هو بعيدٌ عن التلبسِ بمقدماتِها ومبادِيها، وما أحسنَ قول
ذي النونِ رحمه اللَهُ تعالى وقد ذُكِرَ عنده الكلامُ في المحبةِ فقال:
"اسكُتُوا عن هذه المسألةِ لا تسمعُهَا النفوسُ فتدَّعِيها"، فإن النفوسَ ممتلثة من الكبرِ والفخرِ والغرورِ، "والمتشبعُ بمما لم يُعطَ كلابسِ ثوبي زور".
وكثير ما تقترنُ دعوى المحبةِ بالشطح والإدلال وما ينافي العبوديةَ من الأقوال والأفعال.
* * *