الذي كلَّما هَويَ شيئًا ركبه، وكلَّما اشْتهى شيئًا أتاهُ، لا يحجزُهُ عن ذلك ورعٌ ولا تقْوى.
ورُوي من حديث أبي أمامة بإسنادٍ ضعيف: "ما تحت ظلِّ سماءٍ إلهٌ يعبدُ
أعظمُ عند اللَّهِ من هوى متَّبع ".
وفي حديثِ آخرَ:
"لا تزالُ لا إله إلا اللَّهُ تدْفَعُ عن أصحابها حتَّى يؤثِرُوا دنياهم
على دينهم، فإذا فعلُوا ذلكَ رُدَّتْ عليهم، ويقالُ لهم: كذبْتُم ".
ويشهدُ لهذا: الحديث الصحيحُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
"تَعِسَ عبدُ الدينارِ، تعِسَ عبد الدرهم، تعسَ عبدُ القطيفةِ، تعِسَ عبدُ الخميصةِ، تعِسَ وانتكسَ، وإذا شِيكَ فلا انتقشَ ".
فدلَّ هذا على أنَّ كلَّ من أحبَّ شيئًا وأطاعه وكانَ غايةَ قصدِهِ
ومطلوبِهِ، ووالى لأجله، وعادى لأجلهِ، فهو عبدُهُ، وكان ذلك الشيءُ
معبودَهُ وإلهَهُ.
ويدلُّ عليه أيضًا أنَّ اللَّه تعالى سمَّى طاعةَ الشيطانِ في معصيتِهِ عبادةً
للشيطانِ، كما قال اللَّهُ تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ) ، وقال تعالى حاكِيًا عن خليلِهِ إبراهيمَ عليه السلامُ لأبيه:
(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) .
فمنْ لم يتحققْ بعبوديةِ الرحمنِ وطاعتِهِ فإنَّه يعبدُ الشيطانَ بطاعتِهِ له، ولم يخلُصْ من عبادةِ الشيطانِ إلا من أخلصَ عبوديةَ الرحمنِ، وهم الذين قال فيهم:
(إِن عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) .
فهم الذين حقَّقُوا قول: " لا إله إلا اللَّه ".