ولا يزال الإنسان في قوته- ما لم تعرض الطوارىء- إلى الخمسين، ثم يأخذ في التراجع.

...

مال المرء كقطعة من بدنه، ويدافع عنه كما يدافع عن نفسه، وبه دوام أعماله في حياته. فالأموال مقرونة بالنفوس في الاعتبار؛ فقرنت في النظم آية حفظ الأموال بآيات حفظ النفوس، كما قرن بينهما النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في قوله:

«فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام» (?).

...

نهى تعالى عن قربان مال اليتيم إلاّ بالوجه الذي هو أنفع، فلا بد لكافل اليتيم من النظر والتحري عند التصرف في ماله: حتى يعرف ما هو ضار وما هو نافع، وما هو لا ضار ولا نافع، وما هو أنفع؛ فلا يتصرف إلاّ بما هو نافع. فإذا تعارض وجهان نافعان تحرى أنفعهما لليتيم. وفي هذا النهي- بطريق الأحرى- تحريم أخذ مال اليتيم بالباطل، والتعدي عليه ظلماً.

ومثل اليتيم في وجهي النهي المتقدمين غيره؛ فكل ذي ولاية أو أمانة على مال غيره يجب عليه أن يتحرى التحري المذكور.

كما يحرم على كل أحد أن يتعدى على مال غيره.

وإنما خص اليتيم بالذكر، لأنه ضعيف لا ناصر له، والنفوس أشد طمعاً في مال الضعيف؛ فالعناية به أوكد، والعقوبة عليه أشد.

ومن تأدب بأدب الآية في مال الضعيف كاليتيم، كان حقيقاً أن يتأدب بأدبها في مال غيره.

ومن بليغ إيجاز القرآن في بيانه أنه يذكر الشيء ليدل به على تأثيره، أو الذي هو أحرى بالحكم منه، أو لكون امتثال الحكم الشرعي فيه داعيا إلى امتثاله في غيره بالمساواة، أو الأحروية.

وأجاز تعالى لولي اليتيم أن يتصرف في ماله بالاستثناء في قوله: {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. فيجوز له تنميته لليتيم بوجوه التجارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015