ثم إن العباد يتفاوتون في درجات الصلاح على حسب تفاوتهم في الأعمال. ويكون لنا أن نقضي بتفاوتهم في الظاهر بحسب ما نشاهد. ولكن ليس لنا أن نقضي بين أهل الأعمال الصالحة في تفاوتهم عند الله في الباطن؟ فندعي أن هذا أعلى درجة في صلاحه عند الله تعالى من هذا، لأن الأعمال قسمان: أعمال الجوارح، وأعمال القلوب، وهذه أصل لأعمال الجوارح.
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «التقوى ههنا»، ويشير إلى صدره ثلاث مرات (?). فمنازل الصالحين عند ربهم لا يعلمها إلاّ الله.
(والأوابون) في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}. هم الكثيرو الرجوع إلى الله تعالى.
والأوبة في كلام العرب هي الرجوع، قال عبيد:
وَكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ ... وَغَائِبُ الْمَوْتِ لَا يَؤُوبُ
والتوبة، هي الرجوع عن الذنب ولا يكون إلّا بالإقلاع عنه، واعتبر فيها الشرع الندم على ما فات، والعزم على عدم العود، وتدارك ما يمكن تداركه. فيظهر أن الأوبة أعم من التوبة: فتشمل من رجع إلى ربه تائباً من ذنبه، ومن رجع إليه يسأله ويتفرع إليه أن يرزقه التوبة من الذنوب.
فنستفيد من الآية الكريمة: سعة باب الرجوع إلى الله تعالى. فإن تاب العبد، فذاك هو الواجب عليه، والمخلِّص له- بفضل الله- من ذنبه. وإن لم يتب فليدم الرجوع إلى الله تعالى بالسؤال والتضرع، والتعرض لمظان الإجابة وخصوصاً في سجود الصلاة، فقمين (?) - إن شاء الله تعالى- أن يستجاب له.
وشر العصاة هو الذي ينهمك في المعصية، مصراً عليها، غير مشمر منها، ولا سائل من ربه - بصدق وعزم- التوبة منها، ويبقى معرضاً عنه ربه كما أعرض هو عنه، ويصر على الذنب حتى يموت قلبه. ونعوذ بالله من موت القلب فهو الداء العضال الذي لا دواء له.
وجاء لفظ "الأوابين" جمعاً لأواب، وهو فعّال من أمثلة المبالغة، فدل على كثرة رجوعهم إلى الله. وأفاد هذا طريقة إصلاح النفوس بدوام علاجها بالرجوع إلى الله: ذلك أن النفوس- بما