وجاء التصريح بهذا في الحديث الصحيح:
فقد جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فقال: «من أحق الناس بحسن صحابتي (?)؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك». فذكر الأب في الثالث (?). وفي طريق آخر للحديث، ذكره في الرابعة (?).
ولقد كان لها هذا بما ذكر من مزيد تعبها، وضعف جانبها، ورقة عاطفتها، وشدة حاجتها.
فكان هذا الترجيح لجانبها من عدل الحكيم العليم ومحاسن الشرع الكريم.
ومن الإحسان إليهما طاعتهما في الأمر والنهي، ومن عقوقهما مخالفتهما فيهما.
وإنما تحل له مخالفتهما إذا منعاه من واجب عيني، أو أمراه بمعصية، لما في الصحيح من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» (?)، وعند الحاكم وأحمد: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق!» (?).
ومن الدليل على رجحان جانبهما على الواجب الكفائي:
ما ثبت في الصحيح من حديث الرجل الذي أتى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» (?).
ومن الطريق الثاني، قال عبد الله بن عمر (?) رضي الله عنه: «أقبل رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغاء الأجر من الله. قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما. قال: فتبغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما».