حق على كل من يدين بالإسلام ويهتدي بهدي القرآن أن يعتني بتاريخ العرب ومدنيتهم، وما كان من دولهم وخصائصهم قبل الإسلام، وذلك لارتباط تاريخهم بتاريخ الإسلام، ولعناية القرآن بهم، ولاختيار الله لهم لتبليغ دين الإسلام، وما فيه من آداب وحكم وفضائل إلى أمم الأرض.
فأما أنهم قد ارتبط تاريخهم بالإسلام، فلأن العرب هيئوا تاريخياً لأجل أن ينهضوا بأعباء هذه الرسالة الإسلامية العالمية، ولأن الله- الحكم العدل الذي يضع الأشياء في مواضعها بحكمة، ويأمرنا أن ننزل الناس منازلهم في شريعته- ما كان ليجعل هذه الرسالة العظيمة لغير أمة عظيمة: إذ لا ينهض بالجليل من الأعمال إلاّ الجليل من الأمم والرجال، ولا يقوم بالعظائم إلاّ العظام من الناس.
وأما عناية القرآن بالعرب، فلأجل تربيتهم، لأنهم هم الذين هيئوا لتبليغ الرسالة، فيجب أن يأخذوا حظهم كاملاً من التربية قبل الناس كلهم، ولهذا نجد كثيرا من الآيات القرآنية في مراميها البعيدة .. إصلاحاً لحال العرب، وتطهيراً لمجتمعهم، وإثارة لمعاني العزة والشرف في نفوسهم.
ومن هذا الباب: الآيات التي يذكر بها العرب أن القرآن أنزل بلسانهم مثل:
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب. ومن أولى القصد إلى العرب والعناية بلسانهم، وتنبيههم إلى أن القرآن أنزل بلسانهم دون جميع الألسنة- جلبًا لهم، حتى يعلموا أنه أنزل لهم وفيهم، قبل الناس كلهم.
إن العرب قوم يعتزون بقوميتهم، وهم قوم ذوو عزة وإباء، خصوصاً في الجاهلية؛ فكان من حكمة القرآن أن يجلب نافرهم، ويقرب بعيدهم؛ بأن هذا القرآن أنزل بلسانهم.
ومن هذا الباب توسعة الله في قراءة القرآن على سبعة أحرف، وهي اللهجات التي تجتمع على صميم العربية، وتختلف في غير ذلك. وسع عليهم في ذلك لتشعر كل قبيلة أن هذا القرآن قرآنها؛ لأن اللسان الذي نزل به لسانها. وهذا هو ما يقصده القرآن.
ومن هذا الباب أيضاً إشعارهم بأن صاحب الرسالة منهم: