ومن الشواهد لنفث الريق، ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان إذا إشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة، أو جرح، قال النبي بإصبعه هكذا:- تعني وضعها على الأرض كما فسرها سفيان بالعمل (?) - ثم رفعها، وقال:
"بسم الله تربة أرضنا بريقة (?) بعضنا ليشفى به سقيمنا بإذن ربنا" (?).
...
(بعد رواية الأستاذ لهذا الحديث، سكت لحظة كمن يستجمع خواطره، ثم اندفع فقال ما معناه بتوسع) (?):
إن القرآن كتاب الدهر ومعجزته الخالدة، فلا يستقل بتفسيره إلاّ الزمن.
وكذلك كلام نبينا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المبين له، فكثير من متون الكتاب والسنة الواردة في معضلات الكون ومشكلات الاجتماع، لم تفهم أسرارها ومغازيها إلاّ بتعاقب الأزمنة، وظهور ما يصدقها من سنن الله في الكون. وكم فسرت لنا حوادث الزمن واكتشافات العلم من غرائب آيات القرآن، ومتون الحديث، وأظهرت منها للمتأخرين ما لم يظهر للمتقدمين، وأرتنا مصداق قوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في وصف القرآن: «لا تنقضي عجائبه» (?).
والعلماء القوامون على كتاب الله وسنة رسوله لا يتلقونها بالفكر الخامد والفهم الجامد، إنما يترقبون من سنن الله في الكون وتدبيره في الاجتماع ما يكشف لهم عن حقائقهما، ويكلون إلى الزمن وأطواره تفسير ما عجزت عنه أفهامهم.
وقد أثر عن جماعة من فقهاء الصحابة بالقرآن قولهم في بعض هذه الآيات: لم يأت مصداقها أو تأويلها بعدة يعنون أنه آت، وأن الآتي به حوادث الزمان، ووقائع الأكوان، وكل عالم بعدهم فإنما يعطي صورة زمنه بعد أن يكيف بها نفسه.