والصادّ بالباطل عن سبيل الله؛ فالدعوة بوجهيها أصل قائم دائم، والجدال يكون عند وجود ما يقتضيه، ولهذا كانت الدعوة بوجهيها محمودة على كل حال، وكان الجدال مذموماً في بعض الأحوال؛ وذلك فيما إذا استعمل عند عدم الحاجة إليه، فيكون حينئذ شاغلًا عن الدعوة ومؤديًا (?) - في الأكثر- إلى الفساد والفتنة.
فإذا كان جدالًا لمجرد الغلبة والظهور، فهو شر كله. وأشد شراً منه إذا كان لمدافعة الحق بالباطل.
وفي هذه الأقسام الممنوعة جاء مثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: 40]، {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56]. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل» (?) ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
المدافعة والمغالبة من فطرة الإنسان، ولهذا كان الإنسان أكثر شيء جدلاً. غير أن التربية الدينية هي التي تضبط خلقه، وتقوم فطرته، فتجعل جداله بالحق عن الحق.
فلنحذر من أن يطغى علينا خلق المدافعة والمغالبة، فنذهب في الجدل شر مذاهبه، وتصير الخصومة لنا خلقاً، ومن صارت الخصومة له خلقاً أصبح يندفع معها في كل شيء، ولأدنى شيء، ولا يبالي بحق ولا باطل، وإنما يريد الغلب بأي وجه كان، وهذا هو الذي قال فيه النبي صلى اله عليه وآله وسلم:
«إن أبغض الرجال إلى الله الألذ الخصم» (?).
ومن ضبط نفسه وراقب ربه، لا يجادل إذا جادل إلاّ عن الحق وبالتي هي أحسن.
الدعوة بوجهيها يجب أن تكون عامة، والجدال على وجهه عام مثلها.
ثم يكون حظ كل أحد من الهدى والضلال على حسب استعداده وقابليته، وما سبق عليه