فصلٌ
وقد كان السلف الصالح يعتمدون في القضاء والإفتاء على ما جاء في القرآن، وإذا لم يجدوا الحكم في القرآن؛ رجعوا إلى السنة، وإذا لم يجدوه في السنة، اجتهدوا آراءهم، وقد جاء في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم:
فأما الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعثه إلى اليمن؛ قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟». قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟»، قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟»، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في صدري، وقال: «الحمد لله الذي وفَّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله».
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارمي، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم.
وأما الآثار المرويَّة عن الصحابة رضي الله عنهم:
فالأول منها ما رواه الدارمي عن ميمون بن مهران؛ قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم؛ نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب، وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة؛ قضى بها، فإن أعياه؛ خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا؛ فهل علمتُم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء، فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء، فيقول أبو