أشبه منهن بالأحياء، بل تعدى الأمر إلى أن جرت العادة بدس البكر في ظلمات الخدور وحجبها حتى عن النساء، فلا تراها أعين والديها وإخوتها، وبطلت بذلك السنة المحمدية التي قال فيها الرسول الكريم عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" أي فإن ذلك أجدر أن يوقع بينهما الاتفاق إذا رأى كل منهما الآخر في غير ريبة ولا خلوة.
والجرائم التي وقعت بالغلو في الحجاب (على غير وجهه الشرعي) كثيرة ومشاهدة، وبذلك صارت حوادث التزوير تقع في الزواج فتكون عند الرجل ابنتان مثلا إحداهما جميلة والأخرى دميمة، فإذا جاء خاطب لا يعرفهما ولا تعرفهما العجوز التي تنوب عنه في الخطبة، وكانت الجميلة اسمها ليلى والدميمة اسمها دعد يوهمونها أن الدميمة هي الجميلة ويغالطونها فتقع الكارثة على رأس الرجل المسكين ويذهب ماله ضائعا.
ولو قام رجال عقلاء صالحون بتغيير هذه العادة ورد النساء إلى ما كن عليه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم - وهو ما عليه نساء القرى والبوادي في البلاد الإسلامية بأسرها من أول ظهور الإسلام إلى اليوم - مع أدب غض البصر ونحوه لوجب أن يصغى لإصلاحهم وأن يعانوا عليه، ولكن أكثر الذين يدعون إلى ما يسمونه: تحرير المرأة وإعطاءها حقوقها ليس لهم في قلوب الأمة ثقة ولا مكانة، ولا تطمئن إليهم النفوس، وما لهم أخلاق ولا غيرة على الدين والعرض، والجمهور لذلك متهمهم بأن لهم في دعوتهم مآرب أخرى كمآرب الذئب في رعي الحملان. وهؤلاء لا يشكون في أن النساء وإن كن قد أصابهن بالغلو في الحجاب شر عظيم، فإن الشر الذي أصابهن وسيصيبهن بالتبرج والتهتك ليس له حدود، وهو مبني على شفا جرف هار أعظم بكثير من ذلك. فقضية إصلاح حال النساء لم يعالجها طبيب ولا راق، بل صارت بين حزبين مفْرطين ومفَرِّطين، ونحن علم الله لو رأيناكم - يا دعاة تحرير المرأة - داعين إلى إصلاح النساء دعوة مبنية على أساس متين من العقل والحكمة وتوخي صلاحهن وسعادتهن، وأن يصرن أمهات كاملات الأمومة ينتجن إناثا صالحات، وذكوراً صالحين، ويملأن بيوتهن سعادة، لو رأيناكم كذلك لآزرناكم وتعاونا معكم، ولكنا رأينا فيكم الطيش، وسوء النية، والتغرير بالفتيات الغافلات، ومخادعتهن على عفافهن، وتزيين الموبقات لهن,