وأولهما مخبر عنه بالمبتدأ الثاني وخبره، والقاعدة أنه إذا وجد مبتدآن متجاوران كان الثاني وخبره خبر الأول، وكذا الأمر هنا، لكن خبر الثاني مقدم في هذا المثال، وفيه نظر من هذه الجهة، إذا فيه فصل بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر بأجنبي، فينبغي أن يعدل إلى وجه غير هذا، وهو أن يكون كل من الألفاظ الثلاثة في موضعه الأصلي، والمعنى: غنى نفس العفاف هو الذي يغنيه، لا يغنيه شيء غيره، وعليه ف (غنى نفس) مبتدأ أول، و (العفاف) مبتدأ ثان و (المغني) خبر هذا المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، ولا تقديم ولا تأخير، ولا يضر كون (غنى نفس) نكرة؛ لأنه صالح للابتداء به؛ لأنه مختص بالإضافة، وإنما الممتنع - عند الأخفش - الإخبار عن النكرة المختصة بالمعرفة، لا الإخبار عنها بجملة مصدرة معرفة.

وهذا الوجه هو الذي يبني المصنف عليه؛ لأنه هو الظاهر وعليه يتم الاستشهاد بهذا البيت؛ لأن المعنى: غنى نفس العفاف هو الشيء الذي يغنيه، ففاعل (المغني) ضمير العفاف، وهو عائد إلى الألف واللام كما تقول: زيد الضارب.

وتحقيقه: أن الخبر (أل)، وهي جامدة، فلا ضمير يعود إلى المبتدأ الأول سوى الضمير المنصوب بالوصف، وأما على الوجه الأول فالتقدير: العفاف الذي يغنيه غنى نفس، ففاعل (المغني) (العفاف)، والهاء المحذوفة للرجل الذي وصف ب (المغني)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015