616 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: " كَانَ فُضَيْلُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ، جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ رَجُلَ سَوْءٍ كَانَ يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيلًا خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ " -[576]- فَالَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مِمَّا يُشْبِهُ هَذَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ الْإِيمَانِ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ، يُرِيدُ بِهِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ غَيْرَ ذَا قُلْنَا: لِأَنَّ فِي إِزَالَةِ الْإِيمَانِ بِأَسْرِهِ عَنْهُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ إِزَالَةٌ لِاسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ وَفِي إِزَالَةِ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ إِسْقَاطُ الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِسْقَاطُ الْحُدُودِ عَنْهُ. وَفِي اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِحْلَالِ الْحَلَالِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَزُلْ كُلُّهُ عَنْهُ وَلَا اسْمُهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ اسْتِتَابَتُهُ وَقَتْلُهُ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ، وَإِذَا زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ مِنَ الْمُدْرِكِينَ الْعَاقِلِينَ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْمُنَافِقُ مَا هُوَ؟ قِيلَ لَهُ: الْمُنَافِقُ الَّذِي يُنَافِقُ فِي التَّوْحِيدِ هُوَ كَافِرٌ عِنْدَ -[577]- اللَّهِ فِي كِتَابِهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا فَسَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي كِتَابِهِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ فِي الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ، وَلَا تُوجِبُ الْكُفْرَ، وَلَكِنَّهَا تَنْفِي حَقَائِقَ الْإِيمَانِ الَّذِي نَعَتَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا أَهْلَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4] وَقَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ، قَالَ: فَهَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي هِيَ شَرَحَتِ الْإِيمَانَ، وَأَبَانَتْ سُبُلَهُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ أَه ْلَهُ بِهَا، وَنَفَى عَنْهُ الْمَعَاصِي الَّتِي نَزَّهَهُ الْإِيمَانُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَالَطَتْ ذَلِكَ الْإِيمَانَ الْمَنْعُوتَ -[578]- عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِنْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُعْدِ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي قِيلَ لِأَهْلِهِ لَيْسَتْ هَذِهِ الْخِلَالُ مِنَ الشَّرَائِطِ الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا الَأَمَارَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا أَهْلُهَا فَنَفَتْ عَنْهُمْ حَقِيقَتَهُ، وَلَمْ يُزَائِلُهُمُ اسْمُهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَالُ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَاسْمُ الْإِيمَانِ لَازِمٌ لَهُ؟ قِيلَ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهَا غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ عِنْدَهَا قَدْ وَجَدْنَاهُ فِي الْآثَارِ وَغَيْرِهَا. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، وَقَدْ رَآهُ يُصَلِّيَهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُكْمِلْهَا جَعَلَهُ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَكَذَلِكَ -[579]- حِينَ سُئِلَ عَنْ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ فَقَالَ: «مَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» فَجَعَلَهُ غَيْرَ صَائِمٍ وَقَدْ زَادَ عَلَى صِيَامِ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَخْطَأَ بِهِ مَوْضِعَهُ جَعَلَهُ غَيْرَ صَائِمٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعَرَبِ أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ لِلْصَانِعِ إِذَا كَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ بِعَمَلِهِ وَلَا مُتْقِنٍ لَهُ فُلَانٌ لَيْسَ بِصَانِعٍ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يُعَالِجُ ذَلِكَ الْعِلَاجَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَفَوْا عَنْهُ تَجْوِيدَ الْعَمَلِ لَا الصِّنَاعَةَ بِرُمَّتِهَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ إِحْكَامٍ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَمْ يَقُمْ فِيهِ بِحُجَّتِهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، وَلَوْ سُئِلُوا عَنْهُ لَكَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ أَوِ الْكَلَامِ؟ لَقَالُوا: لَا وَلَكِنَّهُ تَرَكَ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ فِيهِ، فَكَثُرَ هَذَا فِي أَلْفَاظِهِمْ حَتَّى تَكَلَّمُوا بِهَذِهِ -[580]- الْمَعَانِي فِيمَا هُوَ أَعْجَبُ مِمَّا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ لِلرَّجُلِ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ وَيُدْخِلُ عَلَيْهِمُ الْأَذَى، وَيُجَرِّمُ عَلَيْهَا الْجَرَائِمَ لَيْسَ ذَاكَ بِوَلَدٍ إِنَّمَا هُوَ عَدُوٌّ، وَكَذَلِكَ قُولُ الرَّجُلِ لِمَمْلُوكِهِ إِذَا كَانَ مُضَارًّا لَهُ مَا أَنْتَ بِعَبْدٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ ابْنُ هَذَا لِصُلْبِهِ، وَأَنَّ هَذَا مِلْكُ يَمِينِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْوَلَدِ، وَكَانَ عَلَى الْمَمْلُوكِ الطَّاعَةُ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَصِفُوهُمَا بِزَوَالِ الْبُنُوَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فِي الْمَنْطِقِ، فَإِذَا صَارُوا فِي الْأَحْكَامِ رُدَّتِ الْأَشْيَاءُ إِلَى أُصُولِهَا فَجَرَتْ بَيْنَهُمُ الْمُوَارَثَةُ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَمْلُوكِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الذُّنُوبُ الَّتِي يَنْفِي بِهَا أَهْلَهَا مِنَ الْإِيمَانِ، فَقِيلَ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ فَعَلَ كَذَا إِنَّمَا أَحْبَطَتِ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا حَقَائِقَ الْإِيمَانِ، وَنَفَتِ اسْمَ اسْتِكْمَالِهِ الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَهُ فَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ مُؤْمِنِينَ، وَهُمْ فِي الْحَقَائِقِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَالَّذِي مَثَّلْتُ لَكَ فِي الصَّانِعِ وَالْوَلَدِ وَالْمَمْلُوكِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْنَا لِمَذْهَبِنَا بَيَانًا فِي التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187]
-[581]- قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ نَبَذُوا الْعَمَلَ بِهِ فَجَعَلَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ نَابِذِينَ لَهُ ثُمَّ قَدْ أَحَلَّ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ، وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ إِذْ كَانُوا بِالْأَلْسِنَةِ لَهُ مُنْتَحِلِينَ وَبِهِ مُقِرِّينَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلْكِتَابِ مُفَارِقِينَ، وَهُمْ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ فِيهِ دَاخِلُونَ. قَالَ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُهُ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ الْعَاصِيَةِ لِزَوْجِهَا، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمُصَلِّي بِالْقَوْمِ الْكَارِهِينَ لَهُ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ أَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ -[582]-. وَقَوْلُ عَلِيٍّ: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: مَنْ قَدَّمَ ثِقَلَهُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ. فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا مَعْنَاهَا عِنْدَنَا لَا عَلَى إِبْطَالِ الْحَقَائِقِ وَالِاسْتِكْمَالِ، فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ وَالْأَحْكَامُ فَإِنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلَمَا لِغَيْرِهِمْ إِلَى هَهُنَا كَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ -[583]-. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَنَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَطْ وَلَكِنَّ الصِّيَامَ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» يَقُولُ: الصِّيَامُ التَّامُّ الْكَامِلُ الْمُتَقَبَّلُ الْإِمْسَاكُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ -[584]- وَشَرَابَهُ» لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَى عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا ارْتَكَبَ فِي صَوْمِهِ بَعْضَ مَا نُهِيَ عَنْهُ كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الصِّيَامِ، وَإِذَا تَرَكَ بَعْضَ الصِّيَامِ جَازَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِصَائِمٍ يُرَادُ لَيْسَ بِصَائِمٍ صَوْمًا كَامِلًا، وَذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: «مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ» يَقُولُ: لَمْ يَصُمْ صِيَامًا كَامِلًا. وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلَا يُتَفَطَّنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» يُرِيدُ أَنَّ -[585]- مَنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ لَيْسَ بِغَنِيِّ النَّفْسِ لَا يُسَمَّى غَنِيًّا فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مِسْكِينًا فِي اللُّغَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمَسَاكِينِ فِي التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَكَفَّارَاتِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْغِنَى الْمَمْدُوحُ، وَالْمَسْكَنَةُ الْمَمْدُوحَةُ الْمَرْغُوبُ فِيهِمَا لَيْسَا بِهَذَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِهِمْ: لَا جُمُعَةَ لَكَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ -[586]- الظُّهْرَ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ